وسائل التواصل الاجتماعي وأهميتها للمنتجات الفاخرة

وسائل التواصل الاجتماعي وأهميتها للمنتجات الفاخرة

تمكنت من خلال عملي كأستاذ في فرنسا وسنغافورة من الاحتكاك مع تنفيذيين متخصصين في قطاعات متنوعة، بدءا من قطاع الأغذية مرورا بالأدوية والتقنية، وصولا إلى الصحة والمواصلات والمنتجات الفاخرة ونظرا لاهتمامي الشخصي بفضاء التواصل الاجتماعي، وغالبا ما تطرقت المحادثات مع المشاركين في المحاضرات حول الأساليب التي يتبعها المديرون لدمج المنصات الاجتماعية ضمن استراتيجية الأعمال، وكانت آراء معظم المتخصصين في المنتجات الفاخرة أن الوسائط الاجتماعية لا يمكن اعتمادها كقنوات تواصل من قبل المنتجات الفاخرة.
وكان البعض يشير إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي قد تكون خطرة أو لا تتلاءم مع المنتجات الفاخرة، حيث ينظر إليها كتهديد لمكانة العلامة التجارية الراقية، لكن عدم اعتماد المنتجات الفاخرة على وسائل التواصل الاجتماعي يعتبر خطأ فادحا.
قد يمكن تفهم وجهات النظر في البداية، حيث يعتمد عالم الفخامة على تعزيز قيمة المنتج من خلال إيجاد مسافة بين العلامة التجارية وبين المستهلكين، وهو أسلوب ضروري لتكون العلامة بمثابة الحلم بالنسبة للمستهلك وعادة ما يترجم ذلك عبر التركيز على حصرية المنتج وتحديد انتشاره في عالم التجزئة، أو حتى وجوده في أماكن بعيدة.
وفي السياق نفسه، هناك تضارب بين الطرفين، حيث تتوجه المنتجات الفاخرة لنخبة المجتمع، فيما تستقطب المنصات الاجتماعية مختلف الشرائح.
لكن ابتعاد المنتجات الفاخرة عن الفضاء الاجتماعي قد يؤدي إلى عدم قدرتها على متابعة آراء المستهلكين ومعرفة المزيد عنهم وعن توجهاتهم الاستهلاكية، حتى أنها قد تواجه خطر الخروج من السوق نهائيا.
أظهرت التجارب أن المستهلك يندمج فورا مع المحادثات المرتبطة بالعلامات التجارية الفاخرة أو النخبوية، ويفضل الحديث عنها بشكل متفاوت خاصة على شبكة الإنترنت، وعند محاول رصد أسباب هذا التوجه، نجد أن المحادثات على شبكة الإنترنت يمكن ربطها مع مظهر الأفراد وشكلهم وثقتهم بأنفسهم، وبالتالي يوجد رابط مع العلامات الفاخرة أو النخبوية التي تساعدهم على التعبير عن أنفسهم، كما أن الناس عادة ما يفضلون نشر ومشاركة المعلومات المتعلقة بالمنتجات أو الخدمات غير الاعتيادية، على غرار الأغلى أو الأفخم... إلخ.
يروي الباحث جوناه بيرجر في كتابه "المعدي" كيف قام مطعم "باركلي برايم" في فيلاديلفيا بتقديم طبق خاص ومتميز جدا من الـ "تشيز بيرجر" حيث يتفوق بدرجات على أي شطيرة مماثلة، وتم استخدام تعابير بليغة وجاذبة في وصف مكونات الشطيرة، حيث تعتمد على خبز "بريوش" طازج يتم خبزه في المطعم، مع شرائح من اللحم الفاخر وفطر يتم قطفه يوميا باليد، مضافا إليه قطع من الكركند المغطى بالزبدة، ويتم تقديم نوع فاخر من الشراب مع الشطيرة التي يبلغ ثمنها 100 دولار، وسرعان ما تناقلت الألسن مواصفات هذه الشطيرة وانتشرت أخبارها كالنار في الهشيم بين الناس، واستمرت شهرتها بعد ذلك لفترات طويلة.
كما ترتبط المنتجات الفاخرة عادة بالفساد والفضائح التي يمكن أن تسيء إلى العلامة التجارية، ففي إحدى الدول، تسربت صور لبعض كبار المسؤولين وهم يرتدون إكسسوارات باهظة الثمن ومن ضمنها ساعات رولكس وبياجيت وأوميجا وكارتييه، وقد يفتح تجاهل الصخب الذي تحدثه مثل هذه الحوادث على شبكة الإنترنت الباب أمام مزيد من النقد الشديد الذي يؤثر سلبا في سمعة العلامة التجارية.
وباختصار: من الضروري أن تركز العلامات الفاخرة على وسائل التواصل الاجتماعي، سواء لمواجهة الحالات الطارئة والأزمات عبر شبكة الإنترنت أو من أجل تعزيز التواصل مع زبائنها، ويمكن أن يتم ذلك من خلال اعتماد ثلاثة أساليب، يتمثل أولها في الإبقاء على المسافة بين العلامة الفاخرة وجمهور المستهلكين، بل الحفاظ عليها مع استمرار التواصل الاستراتيجي على غرار ما تقوم به علامة "بوربري"، حيث ابتكرت محتوى يعزز من صورتها وتاريخها ويغني صورتها التجارية وسحرها لدى المستهلك، وقامت في الوقت ذاته بالانفتاح على المستهلك، وذلك عبر بث ما تنظمه من عروض للأزياء مباشرة عبر الإنترنت من خلال موقع "يوتيوب" وبث صورة حية عن الحدث عبر "إنستجرام"، وقد سمحت هذه الخطوة لملايين المعجبين بماركة "بوربري" وخاصة ممن قد يشتري منتجاتها بالمشاركة في إحدى الفعاليات الرئيسة التي تعتمد عليها العلامة التجارية الفاخرة.
ويكمن الأسلوب الثاني في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة لنشر القيم الأساسية للعلامة التجارية، حيث يمكن الاعتماد على كوادر تتمتع بمهارات التواصل عبر الإنترنت من أجل توضيح قيم العلامة التجارية للناس والمساهمة في التواصل مع مزيد من الشرائح الاجتماعية والمجتمعات الجديدة، وهنا من الضروري عدم حصر هذا التعاون على الشخصيات البارزة مثل المدونين المعروفين فقط، بل يمكن إشراك المتخصصين في المجال ذاته، فعلى سبيل المثال قامت شركة "ماك" المتخصصة في منتجات التجميل بإطلاق منصة إلكترونية عبر "تويتر" ليتمكن مختصو التجميل من التحدث عما يجري خلف الكواليس من أحداث مرتبطة بعلامة "ماك".
ويتمثل الأسلوب الثالث في إعادة إيجاد وإدارة مكانة العلامة التجارية في الفضاء الإلكتروني، خاصة أن العلامات الفاخرة تعكس المكانة الاجتماعية، لذا من الضروري ألا يؤثر وجود العلامة التجارية ضمن شبكة الإنترنت في حصريتها وخصوصيتها، ويمكن ذلك من خلال إنشاء منصة إلكترونية مخصصة فقط للعملاء، على غرار ما قامت بها "مرسيدس بنز" عبر "مجتمع أجيال بنز" وشركة ميني عبر "فضاء بي إم دبليو ميني" التي أنشأت منصة يمكن الانضمام إليها حصريا للمدعوين فقط بهدف مشاركة تجارب المستهلكين المرتبطة بالعلامة التجارية والقصص المتمحورة حولها، ويمكن أيضا إطلاق جوائز خاصة بالعلامة التجارية لترسيخ مكانتها بين نظيراتها على غرار جوائز "رولكس".

الأكثر قراءة