دول الخليج.. قوة عالمية

منذ اللحظات الأولى لقدوم الوفود المشاركة في القمة الخليجية الـ 37، كان واضحا أن هذه القمة استثنائية، قمة في كل شيء، فهي تأتي تتويجا لعمل مضن طوال 37 عاما من العمل المشترك، لقد كانت البهجة باللقاء والأخوة الصادقة بين القادة واضحة جدا، وكانت الكلمات معبرة بجلاء عن مدى الرضا عما وصل إليه مجلس التعاون الخليجي من ترابط عبر بأبنائه أزمات كبيرة وكثيرة وخرجنا منها بأمان وتنمية ونماء، وذلك بفضل الله وحده ثم بفضل حكمة قادة الدول الأعضاء. ولقد كان مجلس التعاون الخليجي في لحظات نشأته الأولى محط أنظار العالم والجميع يشكك في قدرته على البقاء والصمود والآن ومع اجتماع القادة في قمة البحرين التاريخية أصبح العالم يتطلع إلى البيان الختامي، والدول تتسابق من أجل الفوز بعلاقات أكثر وشراكة أوسع مع دول المجلس. يأتي البيان الختامي لقمة الخليج الـ 37 مع قمة خليجية - بريطانية، واتفاق غير مسبوق على إطلاق شراكة استراتيجية لتعزيز العلاقات بين دول المجلس وبريطانيا في جميع المجالات.
لقد أحسن القادة منذ نشأة المجلس استثمار الطاقة الكامنة فيه وفي أبنائه دون مبالغة في حجم الإمكانات، وبمعرفة عميقة بحجم التحديات والحاجة إلى وقت لصهر الإمكانات المشتركة، وبهذا تأتي القمة الـ37 وقد أصبحت الرؤية أكثر جلاء، وقناعة الجميع بالطريق الذي اختاره القادة لا جدال فيها، ويأتي البيان الختامي المشترك الذي صدر عن اجتماع قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مع رئيسة وزراء بريطانيا، ليؤكد أن مجلس التعاون قد أصبح قطبا عالميا وتكتلا اقتصاديا معترفا به. ولعل أهم فقرات البيان الختامي ـــ فقرته عن الاتفاق بين دول مجلس التعاون والمملكة المتحدة على الاجتماع بشكل سنوي وبتمثيل عالي المستوى على نسق هذا الاجتماع، وذلك للمضي قدما في بناء الشراكة الاستراتيجية بين مجلس التعاون والمملكة المتحدة التي تم الإعلان عنها في هذه القمة. تأتي فقرات البيان الختامي لتؤكد بجلاء دخول مجلس التعاون مرحلة جديدة تماما، ولعل من أهم العبارات التي وردت، تلك التي أشارت إلى أن التاريخ قد أثبت أن مجلس التعاون والمملكة المتحدة لديهما وسائل من القوة لتأمين مصالحهما الرئيسة في منطقة الخليج، بما في ذلك مواجهة التهديدات الإقليمية وأي مهدد لأمنهما. هنا يتضح أن مجلس التعاون أصبح قوة عالمية، وأنه قادر على حماية مصالحه وأن التحالف معه أفضل وسيلة لدول العالم كي تحمي مصالحها في المنطقة. على أن هذه القوة الخليجية البارزة عالميا اليوم إنما هي قوة للسلام وتتطلع إلى منطقة يسودها السلام والازدهار، ولكن ذلك السلام المنشود لن يجد مكانه في الشرق الأوسط ما لم تتم معالجة القضايا الأكثر إلحاحا في المنطقة، على أن البيان أكد الإدراك المشترك بأنه ليس هناك حلول عسكرية للصراعات الأهلية المسلحة في المنطقة، ولا يمكن حلها إلا عبر السبل السياسية والسلمية، واحترام سيادة الدول، والحاجة إلى وجود حكومات تشمل كل المكونات في المجتمعات التي تعاني مثل هذه الصراعات، مع حماية الأقليات وحقوق الإنسان. إن هذه العبارات التي سيخلدها التاريخ تمثل إعلانا سياسيا واضحا عن موقف الدول تجاه القضايا في المنطقة التي تضع السلام أولا واحترام الإنسان في مقام رفيع، على أن البيان يدرك حجم التحدي وأن الاستمرار في بناء دفاع مشترك وحماية المصالح نهج لن تتخلى عنه دول المجلس، وأن في هذا حماية للمصالح الدولية المشتركة فالخليج يقع في قلب العالم. ولقد أكد البيان الختامي المشترك ضرورة التصدي للتهديدات الداخلية والخارجية التي تهدد أمن دول مجلس التعاون الخليجي، واتفق القادة في هذا المقام مع المملكة المتحدة على تعزيز الجهود المشتركة لتطوير التعاون في مجال الدفاع، والأمن البحري حتى الأمن السيبراني، من خلال النمو في استخدام فضاء إلكتروني حر ومفتوح وآمن ومسالم، وفي الوقت نفسه ضمان صمود البنية التحتية وشبكات الكمبيوتر ضد الهجمات السيبرانية.
ولأن الشعب البريطاني قرر الخروج من الاتحاد الأوروبي ولما لذلك من تبعات وآثار في التجارة والاستثمار العالميين، فقد أكد البيان المشترك أن إحدى أولويات بريطانيا هي العمل مع مجلس التعاون لبناء أوثق العلاقات التجارية والاقتصادية الممكنة لتكون ركيزة للتعاون طويل الأمد ولفتح الإمكانات الكاملة للعلاقات التجارية والاستثمارية، سواء على المستوى الثنائي أو مع دول المجلس ككل. وسيتم عقد المؤتمر الخليجي - البريطاني حول الشراكة بين القطاعين العام والخاص خلال الربع الأول من عام 2017 في مدينة لندن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي