القوة الكامنة لدى الطرف الأضعف
بإمكان اللاعبين الضعفاء تقليل اعتمادهم على اللاعبين الأقوياء، لكن تكلفة ذلك ستكون عالية.
أصبح اليساري أليكسيس تسيبراس رئيس الوزراء الجديد لليونان تحت المجهر. فبعد أن قضى وقته في محاولة إجبار الدول القوية في الاتحاد الأوروبي على قبول رفض اليونان لاتفاقيات موقعة بين الاتحاد الأوروبي والحكومة اليونانية السابقة، لم ينجح في تحقيق أهدافه. ولم يستطع تخفيض اعتماد اليونان على "ترويكا" أو حشد الحلفاء لدعم قضيته. في الفترة التي لا تملك فيها اليونان الوقت والمال.
ذكرتني هذه القضية بورقة عمل شاركني في كتابتها الأستاذ المساعد جوخان إرتوج: القوة النابعة من الضعف (2014)، التي سلطت الضوء على استراتيجيات الأطراف الأضعف التي يمكن توظيفها لتقليل اعتمادهم على أصحاب القوة. فكما أشرنا اليونان دولة ضعيفة، ولكنها حاولت التفاوض من موقع قوة وهمي ومن غير المرجح أن ينجح هذا النهج. ولفهم السبب أود أن أعيد النظر في تحليل كيف باستطاعة الأطراف الأضعف تقليل اعتمادهم على الأطراف صاحبة السلطة والقوة؟
يتم توزيع السلطة بشكل غير متساو في المنظمات. فعادة يعتمد الأشخاص في المراتب العليا من التسلسل الهرمي على الأشخاص الأقل منهم رتبة بشكل أقل بكثير مما يعتمد هذا الأخير عليهم في سبيل الحصول على الموارد. فحالة عدم المساواة هذه هي مصدر القوة. ومع ذلك، يستطيع الأشخاص الأضعف تخفيف الآثار السلبية لاعتمادهم على الأشخاص الأعلى شأنا من خلال تطبيق استراتيجيات عدة من شأنها أن تضعف قوة الأطراف الأخرى صاحبة السلطة أو على الأقل تحد من قدرتهم على استخدام هذه السلطة.
أولا، باستطاعة اللاعبين الضعفاء التحكم في موارد تهم الأشخاص الذين يعتمدون عليهم. على سبيل المثال، بإمكانهم احتكار المعلومات أو المعارف التي تخص قضية رئيسة تهم الطرف القوي، وبالتالي سيزيد اعتمادهم على الطرف الأضعف. هذا ما يقوم به الخبراء التقنيون في المنازعات في الشركات الصناعية، أو المساعدون التنفيذيون الذين لا يمكن الاستغناء عنهم.
ثانيا، بإمكان الطرف الأضعف اللعب على الوتر العاطفي في علاقته مع الطرف الأقوى. كمحاولته الحصول على تعاطفه، وتقبل ضعفه عند التفاوض على بنود أفضل معولا على الجانب الإنساني للطرف القوي.
ثالثا، قد يحاول اللاعب الضعيف بناء علاقة مع طرف ثالث يمكن أن يكون ذا تأثير في الطرف صاحب السلطة، ستدفع مثل هذه المناورة الطرف الأقوى على إعادة النظر في سلوكه تجاه الطرف الضعيف. تشير البحوث في الواقع إلى أنه بمجرد إيجاد انطباع بوجود علاقة هكذا سيفكر الطرف الأقوى مرتين قبل استخدامه القوة ضد الطرف الأضعف.
رابعا، باستطاعة اللاعبين الأضعف تعزيز موقفهم من خلال تشكيل تحالفات مع أطراف أخرى ضعيفة، وهو ما يحد من قدرة صاحب القوة على استخدام قوته. لذا يدرك عديد من المديرين الجدد أن لديهم سلطة أقل بكثير على المرؤوسين بحسب ما يتطلبه موقعهم. حيث يعمل المرؤوسون مع بعضهم منذ فترة طويلة، ومن السهل أن يقوموا بتحالفات إذا ما شعروا أن المدير الجديد يستغل سلطته. في نهاية المطاف يمثل هذا التماسك قوة عصابات كما هو الحال مع منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" في الاقتصاد العالمي. فعندما يتمكن الموظفون من تشكيل هذه التحالفات تضعف قدرة المدير على استخدام القوة بشكل جذري. وكان هذا هو الحال في إضراب في شركة "ماركيت باسكت"، عندما خرج آلاف الموظفين احتجاجا على طرد رئيسهم.
تكمن الخلاصة في تطوير شبكة علاقات بعيدة عن الأشخاص الذين تعتمد عليهم. وكما أشرت سابقا، من المهم أن تتضمن شبكة معارفك أشخاصا من مواقع ومناصب مختلفة، حيث ستقل احتمالات بناء شبكة علاقات تستطيع دعمك عند الحاجة إذا ما انخرطت مع أشخاص مثلك.
لسوء الحظ بالنسبة لليونان، أخطأ تسيبراس الحكم في النقاط الأربع جميعها وقد بالغ في تقديره لمدى أهمية بقاء اليونان داخل الاتحاد الأوروبي بالنسبة للدول المسيطرة مثل ألمانيا. ووقف أسلوبه القتالي في التعامل، عائقا في طريق نجاحه للحصول على تعاطف أي من الدول القوية التي تعارض شعوبها إعطاء اليونان فرصة. وقد أبعد أيضا حلفاء محتملين مثل فرنسا، كلاعب أساس، التي تعارض إدخال إصلاحات هيكلية ولكنها لا ترغب في الكشف عن ذلك في ظل الموقف الصعب الذي اتخذته اليونان.
فشل تسيبراس أيضا في الحصول على دعم الأطراف الأخرى مثل إيطاليا وإسبانيا والبرتغال، التي تواجه حكوماتها ائتلاف اليسار الراديكالي كمنافسين داخليين الذي سيزداد نفوذه في حال نجاح استراتيجية اليونان. وعلاوة على ذلك، لم يكونوا ليرغبوا في أن يظهروا كـ "يونان أخرى" بعد أن بدأ اقتصاد بلادهم يتعافى.
قد تلجأ اليونان في وضعها الحالي إلى الاستفادة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي وتحاول إيجاد علاقات قوية مع روسيا. حتى وإن بدا ذلك كخيار، فإنه سيشكل خطرا عليهم. فنظرا للتوترات الحالية في أوكرانيا، من شأن هذا التحالف أن يضع اليونان (عضو الناتو) في موقف دقيق، وسيبعدها عن الاتحاد الأوروبي وليس فقط عن العملة الموحدة. سيكون ذلك اختبارا صعبا لليونانيين الذين يتحملون التكاليف في نهاية المطاف. فمن الحكمة أن تتحقق إلى أي جهة تصوب سلاحك قبل الضغط على الزناد.
وجب على تسيبراس كأحد اللاعبين الضعفاء، إدراك أنه ليس جميع الاستراتيجيات الرامية إلى إعادة التوازن تتناسب مع جميع المواقف. فبإمكان الضعفاء تحقيق المكاسب ليس عن طريق التظاهر بسيطرتهم على الموارد، أو قيامهم بتحالفات. من الواضح أن رئيس الوزراء يغامر وهو ما قد يتسبب في الأذى للآخرين. في نهاية المطاف سيكون تسيبراس وشعبه أكثر من يعاني.
ففي عديد من الأحيان تصبح التقنيات المستخدمة للتغلب على الضعف غير مناسبة إذا كنت في موقع ضعيف، وتصبح التحالفات والعلاقات التي كونتها عائقا أو فخا في المرحلة المقبلة من حياتك المهنية.
* أستاذ في السلوك التنظيمي في إنسياد