معوقون ومشردون قسرا
أصدر المركز السوري لبحوث السياسات أخيرا تقريرا يفيد أن 470 ألف سوري قتلوا في الحرب وأصيب 1.9 مليون. كان ذلك قبل عشرة أشهر، ومع تكثيف الحصار والقصف على حلب والقتال الدائر في أماكن أخرى في البلاد، لا يمكن للمرء إلا أن يخمن الخسائر الحالية. والأمر الواضح هو أن كل يوم من القتال يضيف إلى الأعباء التي سيتعين على سورية أن تحملها لأجيال مقبلة، ليس فقط من حيث استمرار تصاعد التدمير المادي فحسب، بل أيضا من حيث تقديم الرعاية اليومية للأعداد المتزايدة من المعوقين بدنيا أو عقليا نتيجة للحرب. وكل هذا يأتي في وقت يعيش فيه نصف السكان ـــ ما يقرب من خمسة ملايين لاجئ و6.6 مليون مشرد داخليا ــــ خارج مساكنهم؛ كما تجدر الإشارة إلى أن النظام الطبي في البلاد مدمر. وعلى الصعيد العالمي، هناك تقريبا شخص واحد معوق من كل سبعة أشخاص أو نحو 15 في المائة منهم معوقون، لكن هذه النسبة ترتفع بين اللاجئين السوريين إلى 22 في المائة حسب استقصاء عام 2013، بزيادة 18 ـــ 20 في المائة على معظم مناطق الصراع الأخرى. وفي حين أن 2 ـــ 4 في المائة من المعوقين عالميا يواجهون صعوبات كبيرة في أداء وظائفهم البدنية، فإن نسبة من يعانون قيودا شديدة في ذلك تصل إلى 6 في المائة بين اللاجئين السوريين. وإذا أضفنا الأعداد الواردة في الدراسة الاستقصائية التي تنطبق على اللاجئين السوريين في الأردن 640 ألف لاجئ مسجل ومليون سوري عموما، وفي لبنان (مليون لاجئ)، وكذلك نحو 2.7 مليون لاجئ سوري في تركيا، فإن عدد المعوقين يتجاوز بدرجة طفيفة مليون معوق، منهم نحو 280 ألف حالة إعاقة شديدة. ويمثل هذا العدد عبئا على معظم نظم الرعاية الصحية. كما أنه يشكل عبئا هائلا على البلدان المضيفة المجاورة، ولا سيما الأردن ولبنان، حيث يشكل اللاجئون ما بين 20 و30 في المائة من نسبة السكان الأصليين. وفي كلا البلدين، تقوم منظمات غير حكومية دولية ومحلية، فضلا عن وكالات المعونة الإنسانية، بتقديم مساندة لكن التحديات هائلة. فعلى سبيل المثال، يقدر أن نحو 30 في المائة من سكان الأردن السوريين إما معوقون وإما حالات صحية خطيرة. وفي تركيا، التي توفر الرعاية الصحية المجانية للاجئين، لا تزال التحديات ماثلة بقوة مع الحواجز اللغوية والقيود الثقافية مثل بعض الحالات التي تصر فيها النساء على وجود طبيبات لتقديم الخدمات الصحية. وفي البلدان الثلاثة كلها ما زالت الاحتياجات الطبية المتخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة ولا سيما ذوي الاحتياجات النفسية والعقلية منهم تمثل إشكالية ضخمة. هناك ما يقرب من 6.7 مليون مشرد داخلي في سورية غير قادر تقريبا على الحصول بسهولة على المساعدة الإنسانية كما لا تتوافر لديهم خدمات طبية كافية على الإطلاق. فوفقا لما ذكرته الأمم المتحدة، فإن العدد الإجمالي للسوريين داخل البلاد ممن يحتاجون إلى المساعدة حاليا يبلغ 13.5 مليون منهم 4.5 مليون يعيشون فيما يسمى "مناطق يصعب الوصول إليها"، وهي مبعثرة في 147 موقعا في جميع أنحاء البلاد. ويقدر عدد أصحاب الإعاقة بمئات الآلاف مع تسجيل الآلاف بوصفهم شديدي الإعاقة. وفي كل شهر، لا تستطيع الأمم المتحدة توفير العلاجات الطبية إلا لنحو 373 ألف شخص فقط.
وهناك أيضا ما يقرب من 400 ألف شخص محاصرين في سورية وفقا للأمم المتحدة ولكن وفقا لمشروع سيجووتش Siegewatch فإن العدد نحو مليون شخص مع وجود 1.4 مليون شخص آخر في ظروف شبيهة بالحصار أو يواجهون خطر الحصار. وأيا كانت الأعداد الفعلية، فإن الواقع هو أن عشرات الآلاف من السوريين المعوقين يتلقون خدمة طبية بسيطة لا تكاد تذكر أو لا يتلقون عناية طبية بشكل كامل.
وتعاني النساء ذوات الإعاقة أوجه ضعف خاصة :"حيث إن نحو ثلث النساء ذوات الإعاقة يتعرض لإساءة نفسية أو جنسية أو بدنية في حالات الكوارث الطبيعية والصراعات، وفقا لما جاء في تقرير عام 2015 للمنظمة الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة وتتعرض النساء ذوات الإعاقة ممن يعشن في عزلة في منازلهن لخطر العنف الجنسي والاغتصاب، وكذلك الفتيات ذوات الإعاقة الذهنية"، كما ذكر تقرير شباط (فبراير) 2016 للجنة اللاجئات غير الربحية ومقرها نيويورك. فالوصول إلى كل شيء من الحمامات إلى الرعاية الطبية والخدمات التعليمية وغيرها أمر شديد الصعوبة بصفة خاصة للمرأة ـــ ولا سيما بالنظر إلى السياق الثقافي لعديد من اللاجئين السوريين.