«التعليم» .. وإماطة الأذى

في مقطع مرئي وفي منطقة نما فيها العشب بعد الأمطار التي هطلت في الأسبوع الماضي، دعا أحد الشباب رواد البر لزيارته والتمتع بالأجواء الجميلة إلا أنه استدرك قائلا النظافة ثم النظافة راجيا من الجميع أن يكون معهم كيس قمامة كبير يجمعون فيه مخلفاتهم وينقلونها لأقرب مكان مخصص لها وذلك حفاظا على نظافة البيئة، وكي يستمتع الجميع بالمكان دون منغصات.
في منطقة حائل شارك آلاف من أهالي حائل في تنظيف متنزه مشار البري بحملة أطلقوا عليها "حائل تبي منا" بدعم من خمس عشرة جهة حكومية وخاصة وذلك سعيا منها لبث الوعي بأهمية نظافة المواقع البرية والحفاظ على أشجار الطلح، وأزال المشاركون نحو 1.7 طن من النفايات، بعد ثلاثة أيام من انطلاقها من هذا الموقع، وما زالت الحملة تقوم بأنشطة التوعية للمتنزهين وإزالة المخلفات المتراكمة فيما مضى من الزمن ويشارك فيها المتطوعون من الأهالي وطلاب المدارس والجامعات لغرس مفهوم الحفاظ على البيئة في نفوس النشء والشباب.
في مناطق سياحية في المصايف تحدث كثيرون في مقاطع مرئية عن مخلفات المتنزهين التي فاقت التصورات وأصبحت بجميع أنواعها من أسباب تلوث هذه المناطق وإحجام الناس عن زيارتها، بل التذمر منها ومن روادها الذين خالفوا أبسط تعاليم الدين الإسلامي الذي يحث على النظافة بل إماطة الأذى عن الطريق لا رميه كما هو الوضع الحالي.
أحد الأصدقاء قال لي إنه عندما تحدث لأحد الشباب الذين يرمون مخلفاتهم ويتركونها رد عليه قائلا البر كله نفايات ولم يقف الموضوع عندي، والبلدية مسؤولة عن نظافة البلاد في المدن والبراري والمتنزهات. يقول لم أرد عليه وفكرت كثيرا في المنطق السلبي الذي رسخ في ذهنه رغم سنوات الدراسة التي تمتد 12 عاما درس فيها هذا الإنسان كثيرا من مواد الدين التي تدعو لمكارم الأخلاق ومن ذلك المحافظة على النظافة وعدم رمي الأذى وإماطته عن الطريق كي لا يتأذى به إنسان أو حيوان.
آخر يقول إنه جلس وأسرته في منطقة برية بالقرب من أسرتين قضيتا وقتا طويلا من المتعة البرية وعندما غادرتا المكان تركتا كميات هائلة من النفايات شملت علب الماء والمشروبات الغازية وأكياس ومخلفات طعام ومكسرات تتطلب جهدا من أكثر من عامل نظافة لإزالتها، مضيفا أنه تضايق جدا من تصرف هؤلاء المواطنين الذين لم يردعهم لا دين ولا وطنية ولا أي مفهوم حتى إن كان مفهوما يقوم على الأنانية والمصلحة الخاصة إذ إنهم قد يعودون للتنزه للمكان ذاته في وقت آخر.
المحافظة على البيئة والحياة الفطرية بكل مكوناتها باتت هما عالميا تتم مواجهته بالوعي وتحمل المسؤولية وبالقانون كذلك، ومن أسباب المحافظة على البيئة المحافظة على نظافتها وعدم رمي النفايات فيها حماية للإنسان والحيوان والنبات، ولقد رأينا في مقطع مرئي تداوله الناس من خلال وسائل التواصل الاجتماعي يوضح أسباب نفوق ناقة حينما أخرج الطبيب البيطري أكياس بلاستيك من أحشائها، وبالتالي فإن نظافة البيئة وحمايتها من عبث العابثين بالتوعية والنظام والمتابعة العقوبات باتت أمرا ملحا يجب عدم السكوت عليه والتعامل معه.
أمانات المدن تقوم بدورها بشكل متقطع، حيث تقوم بالتعاون مع عدة جهات ومن ذلك المتطوعين الشباب للتوعية وللقيام بحملات تنظيف تشمل البراري والمتنزهات والشواطئ ولا شك أن لهذه الجهود أثرا لجهة الوعي وجهة تنظيف بعض المواقع التي تراكمت فيها كميات كبيرة من النفايات نتيجة لسلوكيات المتنزهين السلبية وتركهم نفاياتهم في مواقعهم دون أدنى وعي أو مسؤولية، ولكن من الواضح أن هذه الجهود لا تكفي ولم تؤسس لثقافة راسخة متنامية بمرور الزمن ما جعل مشكلة نظافة البراري والمتنزهات والمرافق العامة تراوح في مكانها وتسبب للمتنزهين المشاعر السلبية، بل إن البعض ترك المتنزهات العامة بسبب عدم نظافتها وتراكم كل أنواع النفايات فيها بشكل سيئ.
الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة تقوم هي الأخرى بجهود كبيرة للمحافظة على نظافة البيئة من التلوث لكل ما يحيط بالإنسان من ماء وهواء ويابسة وفضاء خارجي، ونفذت حملات منها "لنحارب من أجل حماية الأحياء البرية"، ومنها حملة "بيئة بلا نفايات" وهي جهود مستمرة ومتواصلة ولكن مع الأسف الشديد ما زال كثير من المواطنين والمقيمين لا يتجاوبون معها أو مع الأمانات ويرمون مخلفاتهم في أماكن تنزههم.
نظفوا العقول قبل أن تنظفوا البراري والمتنزهات عبارة قرأتها في أحد مواقع التواصل الاجتماعي وأعجبتني جدا لأن مفادها بدل أن تتوجهوا لتنظيف المواقع من النفايات التي تركها المتنزهون والزوار يجب التوجه لتنظيف العقول ثقافيا لتصبح النظافة جزءا أصيلا من هويتها وسلوكها. تنظيف العقول يتطلب التوجه للإنسان في مواقع تربيته ومن أهمها الأسرة والمدرسة، ويجب أن نركز على المدارس التي تعتبر محاضن تربوية يقضي فيها الطالب 12 سنة من عمره على أقل تقدير ويقضي يوميا نحو ست ساعات يتلقى فيها العلم والقيم والمفاهيم ومن ذلك مفاهيم النظافة والمحافظة على البيئة والمرافق والملكيات العامة إضافة إلى المحافظة على شخصه ومنزله ومحيطه.
تقوم أمانات المدن حاليا بالتواصل مع المدارس لترشيح متطوعين للمشاركة في نظافة مساحات معينة في المدينة أو المحافظة والصحيح الذي نتطلع إليه أن تقوم المدارس بالتواصل مع البلديات لتوفير مواد التوعية بالنظافة وتنظيم أنشطة تطوعية للمشاركة في نظافة البراري والمتنزهات والشواطئ، ولذلك لغرس قيمة ومفهوم النظافة فكرا وتطبيقا في نفوسهم.
ختاما معظم السكان من الشباب ومن ذلك الأطفال وكل هؤلاء في المدارس ونتطلع إلى أن تنهض وزارة التعليم بدورها المهم والحيوي بمعالجة مشكلات نظافة البيئة بجميع مكوناتها من خلال غرس مفهوم النظافة فكرا وسلوكا في نفوس أبنائنا الطلاب الذين حتما سيؤثرون في سلوكيات أسرهم بالتبعية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي