تحقيق العوائد من عمل المنصات
لا يكون كافيا إيجاد التأثيرات الشبكية الإيجابية من أجل تحقيق العوائد من عمل المنصات.
تعد منصة "ميت أب" Meetup للتعارف الاجتماعي على الإنترنت التي أطلقت في عام 2002 وسيلة تتخذها المجموعات حاليا لتنظيم تجمعاتهم "لقاءاتهم". وكانت هذه المنصة قد بدأت كخدمة مجانية، لكن مؤسسيها اكتشفوا في نهاية المطاف أنه يتعين عليهم تطوير نموذج على درجة من المصداقية لتوليد العوائد. وكانت أولى محاولاتهم لتحقيق الإيرادات تتمثل في التأسيس لقاعدة بيانات تضم الأسماء ووسائل الاتصال، وفرض الرسوم على استخدام الأماكن التقليدية خارج نطاق الشبكة، مثل المطاعم. لكن في حقبة ما قبل الهواتف الذكية، لم تكن هذه الطريقة مجدية، بل كان يتعذر تطبيقها، ولا سيما أن الناس كانوا يواجهون صعوبات في الالتزام بالمواعيد المحددة، ولم تجد منصة "ميت أب" أي وسيلة لتحديد أولئك الأشخاص الذين لم يتقيدوا بالحضور.
نتيجة لذلك، تخلت "ميت أب" عن هذا المصدر، وحاولت اللجوء إلى الأنشطة
الإعلانية، لكنها فشلت في جذب عدد كبير من المعلنين. وبعد ذلك، حاولت تقديم منتج رائد حمل اسم "ميت أب بلاس" Meetup Plus، لتكتشف بعدها أن القيمة الإضافية التي تحققت حظيت بدرجة قليلة من الاهتمام. وواجهت المنصة ذاتها معضلة أخرى، وهي أن الشروط المرنة للدخول إلى العضوية أدت إلى اتساع قاعدة المستخدمين بسرعة، وكان يتم عقد عديد من اللقاءات من دون وجود هدف واضح أو تخطيط كاف، ما أدى إلى تجارب مخيبة لآمال المستخدمين، خاصة عندما يقبل البعض على التسجيل لحضور اجتماع ما، لكنه يفاجأ بحضور عدد قليل من الناس، ناهيك عن انخفاض مستوى الأنشطة المصاحبة.
وكما أشرنا في كتابنا "ثورة المنصات"، تحتل آثار شبكات التعارف موقع القلب من كل منصة. وكلما زادت تلك الآثار، ازدادت القيمة التي يمكن حصدها من المنصة. إننا لا ننكر هنا وجود بعض المفارقات، فلو أخذنا حالة "ميت أب" نموذجا، لوجدنا أن الديناميكية التي تمتعت بها هذه المنصة، وما سجلته من نمو إيجابي قوي يجعل من توليد الإيرادات عملية صعبة جدا. وهنا يكون من الأهمية بمكان أن تلعب التفاعلات دورا في إيجاد وسيلة لتوليد قيمة كبيرة، من دون التأثير سلبا في آثار الشبكة، كون ذلك يعد الغرض الأول من إنشائها وظهورها في الفضاء الرقمي. لذا قد يعزف المستخدمون عن المشاركة في المنصة في حال توجيه أي تهمة لهم.
تبدأ الاستراتيجية الذكية لتوليد الإيرادات من خلال النظر في أشكال القيمة التي يمكن تحقيقها من قبل المنصات، ومن ثم تحديد مصادر القيمة التي يمكن استغلالها. وبشكل عام، يمكن تصنيفها في أربع خانات، وهي: الوصول إلى مرحلة توفير القيمة (العوائد)، الوصول إلى السوق، الوصول إلى الأدوات، وأخيرا جمع وتنظيم والحفاظ على تلك الموارد.
1. قد يكون فرض الرسوم على المعاملات وسيلة قوية لتحقيق القيمة من المنصة من دون أن يؤدي ذلك إلى الحد من آثارها الإيجابية، ولا سيما أنه لا يتم فرض أي رسوم على المشترين والبائعين إلا في حالة حدوث صفقة أو عملية على أرض الواقع. ومع ذلك، يتعين على كل منصة الحفاظ على مكانتها كوجهة تيسيرية، علما بأنه يكون من الطبيعي بالنسبة إلى المشترين والبائعين إنشاء علاقات خارج نطاق الشبكة لتجنب دفع الرسوم على هذه المعاملات. وتمكنت بعض المنصات، مثل "فيفر" Fiverr، و"جروبون" Groupon و"أير بي إن بي" Airbnb من حل هذه المشكلة من خلال المنع المؤقت لكل طرف من التواصل مع بعضهما البعض، إضافة إلى توفير الأدوات والمعلومات لكلا الطرفين لإتمام صفقة يكونان على علم تام بتفاصيلها. ومع ذلك، تحتاج هذه المنصات إلى توفير قيمة إضافية إلى ممارسة النشاط على المنصة حتى تنجح في ذلك. وتمكنت المنصة العالمية "أب ويرك" Upwork المتخصصة في خدمات الأعمال الحرة، من تحقيق ذلك من خلال توفير الأدوات اللازمة للمراقبة غير المباشرة على شركات توريد الخدمات، وتمكين المشتري من التتبع والدفع على أساس العمل الفعلي المنجز من قبل البائع.
وباختصار، يتعين على المنصات الراغبة في إتمام الصفقات وتحقيق العائدات إيجاد الأدوات والخدمات التي يستفيد منها كلا الطرفين عن طريق التخلص من الاحتكاك، والحد من المخاطر كي تنجح في اكتساب ولائهم لها.
2. فرض رسوم على دخول مجموعات المستخدمين الذين انضموا إلى منصة لأسباب أخرى لا تتعلق بالتفاعل مع المشترين أو المنتجين، لأن ذلك يوجد تفاعلات تعود بالنفع على كلا الجانبين. ونستشهد هنا بمنصة "لينكدين" على سبيل المثال، حيث نجد أنها تتيح للشركات توفير فرص العمل لأعضائها، كما تفتح المجال أمام الشركات لاستهداف المرشحين بالاعتماد على سيرهم الذاتية. ومن شأن هذه الطريقة أن تشجع المستخدمين في كثير من الأحيان على تحديث ملفاتهم الشخصية، كما يحفز شركات التوظيف على استخدام المنصة.
3. فرض رسوم على الدخول المعزز يمكن أن يكون وسيلة لمساعدة المنتجين على التميز عن الآخرين عبر منصة تحظى بإقبال عال. لأن هذا النهج عموما لا يلحق الضرر بآثار الشبكة، لأنه يسمح لجميع المنتجين والمستهلكين بالمشاركة في منصة مفتوحة. وعلى سبيل المثال، تتيح منصة "ييلب" Yelp للمطاعم ظهورا أوضح وتعزيزا لعلاماتها التجارية عن طريق فرض رسوم عند الانضمام إلى قوائم متميزة. وهناك طريقة أخرى لتحقيق العوائد من الدخول، وهي فرض الرسوم مقابل خفض الحواجز أمام الراغبين في الدخول إلى مستويات أعلى من خدمات المنصة. ومن هذا القبيل، نجد أن مواقع التعارف تسمح للرجال في الأغلب بالاطلاع على الملفات التعريفية للنساء من دون الكشف عن التفاصيل المحددة، ما لم يقم المستخدم بدفع رسوم الاشتراك.
4. فرض رسوم على الاستخدام المعزز يضمن الآثار الإيجابية للشبكة، مع التركيز ببساطة على الكم والنوع في آن واحد. وعندما تتوافر كمية هائلة من المعلومات على المنصة، قد يبدي المستهلكون استعدادا للدفع من أجل الحصول على الجودة المضمونة، ومساعدتهم في العثور على المحتوى الذي يبحثون عنه.
إن هدف أي منصة ينبغي ألا يقتصر على استقطاب مزيد من المشاركين وتسجيل أكبر قدر من التفاعلات، وإنما لتشجيع التفاعلات المرغوب فيها، وإقصاء غير المستحسن منها. ومن الخطأ أن نفترض أنه يمكن تحقيق الآثار المثالية للشبكة عن طريق فرض رسوم على المستخدمين بصورة دائمة. إن أفضل نهج هو أن نسأل: كيف يمكن أن تدر عوائد من دون التقليل من الآثار الإيجابية للشبكة؟ وهل يمكننا وضع استراتيجية التسعير التي تعزز الآثار الإيجابية للشبكة والحد من الآثار السلبية؟ وهل يمكننا وضع استراتيجية تشجع التفاعل المرغوب فيه مع التخلص من التفاعلات السلبية الأخرى؟
* رائد أعمال مقيم في إنسياد