مجلس التعاون .. التنافس للتكامل
تنعقد قمة دول مجلس التعاون الخليجي الـ 37، في ظروف إقليمية وعالمية ليست مستقرة، وفي ظل اضطراب في صنع القرار العالمي، وأيضا تنعقد والتهديدات والتحديات تتزايد أمام دول المجلس، ناهيك عن الاستراتيجية العدوانية التي تتبعها إيران في المنطقة، أملا في نشر ما أمكن لها من اضطراب أو عدم استقرار أو ما شابه ذلك. هذا كله، إلى جانب الأحداث المأساوية التي تمر بها بعض الدول العربية، والآثار السلبية لهذه الأحداث في المنطقة بل العالم أجمع. ما يجري اليوم من تطورات في المنطقة وعلى الساحة الدولية، ليس أقل من مستجدات خطيرة، بعضها يمكن وصفها بالمفاجآت، تضاف إليها النيات السيئة من جانب أنظمة لا تعرف إلا الشر، ولا تتقن إلا الخراب بصرف النظر عن مستواه وآثاره.
القمة الخليجية في البحرين، أمامها ملفات يعرفها الجميع، وتتأرجح بين تلك التي تختص بالشأن الراهن، أو تلك التي تتصل بالمستقبل، ولا سيما على الساحة الاقتصادية، التي أثبتت التطورات "مرة أخرى" مدى أهمية "بل ضرورة" التكامل الخليجي الاقتصادي على كل المستويات وفي كل القطاعات، باتجاه الوصول إلى اتحاد راسخ لديه حقا ما يمكن أن يستند إليه. وقبل فترة بسيطة كان ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان واضحا حينما أعلن للجميع، أن بإمكان دول مجلس التعاون الخليجي أن تشكل القوة الاقتصادية العالمية السادسة، إذا ما سارت وفق المنهج الذي يفتح الطريق أمام مزيد من التكامل. كما أنه دعا إلى العمل من أجل بلوغ هذه المرحلة، لأن الذي سيوفر الحماية الكبرى لبلدان الخليج العربي، ليس إلا التكامل بكل أشكاله، ولا سيما الاقتصادي منها.
في منطقة الخليج حاليا ورشات هائلة في كل القطاعات، البناء والتشييد والنقل والبنى التحتية والسياحية والتعليم والتصنيع، إلى آخر سلسلة القطاعات التي تمثل في النهاية التنمية المحلية الشاملة. وقد حققت بلدان مجلس التعاون تقدما كبيرا في هذا المجال، حتى في العامين الماضيين اللذين شهدا تراجعا هائلا في أسعار النفط. لكن التحديات تتعاظم والاستحقاقات آتية، وكلما كان التعاون في أعلى مستوياته في هذا القطاع أو ذاك، تم تحقيق أفضل النتائج. فعلى سبيل المثال، شهدت التراخيص الاستثمارية في دول الخليج قفزة كبيرة للغاية في السنوات العشر الماضية، بلغت 375 في المائة، والسبب كان ببساطة قرارات المواطنة الاقتصادية الخليجية والسوق الخليجية المشتركة. وحدث تقدم كبير أيضا في قطاعات استثمارية وتنموية أخرى، لأسباب ترتبط مباشرة بالقوانين المرنة بين بلدان مجلس التعاون.
ليس هناك حدود للفوائد الناجمة عن تكامل اقتصادي خليجي، خصوصا أن العالم ينظر بالفعل إلى هذا "التكتل" المهم بقيمة يستحقها، مع وجود اقتصادات كبيرة ضمنه، إلى جانب وجود المملكة عضوا في مجموعة العشرين التي اتخذت زمام المبادرة الاقتصادية العالمية في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية 2008. ولدول مجلس التعاون الكثير من الممكن أن تقدمه غير النفط والطاقة، بما في ذلك الخدمات والنقل والتصدير وإعادة التصدير، والتصنيع المباشر وغير المباشر، والإنشاءات الهائلة، ناهيك عن السياحة وتجارة الجملة والتجزئة، وغير ذلك من قطاعات. وهذا الوقت مناسب تماما لإطلاق موجة جديدة من التكامل في قطاعات محددة، تصب كلها في النهاية في مصلحة مجلس أثبت أنه أفضل التكتلات العربية في التاريخ الحديث.
الفارق بين الإنجاز السريع والإنجاز البطيء يتحدد في مدى التعاون بين كل الأطراف المعنية بالحراك. وفي الحالة الخليجية العربية، يبدو أن التنافس على التكامل الخليجي العربي، أولى من التنافس في قطاعات متشابهة لا تخدم أطرافها.