طاقة الشباب العربي المعطلة
"ستحافظ البلدان العربية على مركزها كأعلى موطن لبطالة الشباب في العالم"
منظمة العمل الدولية
النتيجة التي توصلت إليها منظمة العمل الدولية، وأيدتها بالطبع منظمة العمل العربية، تحمل معها مزيدا من المآسي في البلدان العربية، ولا سيما تلك التي تواجه الاضطرابات والمشكلات، بل التخريب الخارجي الممنهج. وهي نتيجة، إن لم تكن جديدة، إلا أنها رفعت من معدلات الكآبة عند المراقب وعند ذاك المعني بها مباشرة. ومنذ أكثر من عقدين، لم تصدر إحصائية أو دراسة واحدة، تحمل في طياتها إشارات إيجابية عن البطالة العربية، وعمليات التشغيل المتوقعة، أو تلك المرتبطة بمشاريع ستطلق لاحقا. في الواقع، كانت الإحصائيات كلها تتضمن أرقاما أكثر هولا من سابقاتها، خصوصا فيما يرتبط بالتدهور الفظيع لعمليات التشغيل، وإيجاد فرص العمل الملائمة على الساحة العربية.
نتيجة هذه الدراسات والإحصاءات بعد "غربلتها"، يمكن ببساطة أن تحمل الشعار العريض "العرب سيحافظون على الصدارة في بطالة الشباب على مستوى العالم"! لا عجب في هذا، إذا ما تتبعنا مسار الخطوات التي تمت على صعيد محاربة البطالة، خصوصا في السنوات القليلة الماضية، التي شهدت سلسلة من الثورات العربية، لا تزال البلدان التي انطلقت فيها تعيش آثارها وإرهاصاتها، ناهيك عن بلدان انفجرت فيها حروب أهلية مخيفة الآن وللأجيال العربية المقبلة أيضا. في كل الأحوال، لم تكن البطالة أفضل حالا كثيرا قبل تفاقم الاضطرابات في المنطقة. كانت حاضرة على الساحة العالمية، وإن كانت هناك بعض المشاريع التي حققت عددا من الأهداف على صعيد تقليص عدد طالبي العمل، وأولئك الذين يصلون إلى مرحلة سن العمل من حيث الأعمار والتأهيل. في آخر دراسة إحصائية لمنظمة العمل العربي، أورد واضعها، أن عدد المتقدمين العرب إلى سوق العمل سنويا يصل إلى أكثر من أربعة ملايين متقدم. ومن الآن وحتى نهاية عام 2020، يحتاج العالم العربي إلى إيجاد أكثر من 40 مليون وظيفة، لمواجهة أي تداعيات من جراء الارتفاع التلقائي لعدد المنضمين إلى سوق العمل. الدراسة تضمنت بالفعل كثيرا من الحقائق المروعة، وقدمت في النهاية سلسلة من الحلول، وفي مقدمتها بالطبع، ضرورة رفع مستويات التنمية. وهذا مطلب لكل بلدان العالم، لأن التنمية تعمر البلدان في سياق اشتراك كل مواطن فيها بدور ما، والاستفادة من عوائد التنمية فرديا ومجتمعيا. ووفق الدراسة نفسها، فإن هناك 2.4 مليون ساكن في سن الترشح للالتحاق بسوق العمل، وتقدر الحجم الإجمالي للقوى العاملة بـ 122 مليون نسمة.
كل البلدان العربية تعاني البطالة بلا استثناء. وهذا أيضا وفقا لإحصاءات رسمية في هذه البلدان. وحتى في الدول التي تبلغ فيها البطالة حدودا بسيطة للغاية، فإنها تواجه مشكلات لم تحلها بعد، ترتبط مباشرة بعدم التواؤم التام بين متطلبات سوق العمل ومخرجات التعليم والتأهيل. فقد تجد فرصة العمل متاحة، لكن لا يوجد من يشغلها! وهذه من المشكلات التي يمكن حلها بسهولة عن طريق تحديد احتياجات سوق العمل، والتشجيع على التأهيل لها، خصوصا أن بعض هذه الاحتياجات توفر عوائد مالية جيدة جدا على المدى المتوسط لأي شخص يمكنه تلبيتها. لكن تزايد عدد المؤهلين للعمل سنويا، يطرح مجموعة من الأسئلة، التي لم تستطع حتى المنظمات الكبرى المتخصصة الإجابة عنها. في مقدمتها بالطبع، الحلول الأكثر سرعة لمثل هذه المشكلة المتفاقمة، والمرونة في التحول إلى سوق حاضنة لكل المؤهلات والكفاءات وغيرها.
ورغم الفوارق الهائلة بين الجنسين في العمل، تبدو هذه المشكلة جانبية أمام المشكلة الرئيسة وهي التشغيل بمفهومه العام، أما التفاصيل فهي أمر يمكن التعاطي معه دون أن تكون له عواقب خطيرة. يرى المختصون، أن معالجة قضايا البطالة، تقتضي إيلاء الموارد البشرية الأهمية القصوى. لكنهم يشددون في الوقت نفسه على ضرورة التوصل إلى توصيف دقيق للحالة العامة، وتشخيص ملامح آفاق التشغيل والبطالة على المستويات الوطنية. وهذه النقطة الأهم على ما يبدو، لأنه دون تحديد النقاط المحورية لا يمكن الوصول إلى حلول ناجعة مستدامة. يضاف إلى ذلك (بالطبع) التركيز على البطالة بين الخريجين أو الجاهزين لدخول سوق العمل، ليس فقط لأنهم من شريحة الشباب، بل كونهم يمثلون طاقة بشرية فاعلة حقا في مثل هذه الشريحة العمرية.
ستظل مشكلة البطالة العربية متنامية، حتى تكون هناك سياسة فاعلة لا تستوعب العاطلين أو الخريجين الجدد فقط، بل تحاصر مسبقا أي تطورات اقتصادية سلبية على الساحة المحلية. فالمشكلات الاقتصادية (كما هو واضح) لن تتوقف، مع وجود فوضى عالمية في صنع القرار السياسي والاقتصادي في آن معا. لكن يبدو واضحا أنه بالإمكان مواجهة أي تطورات (بصرف النظر عن مستوياتها) بتكريس التنمية المستدامة الشاملة، أي أن تأخذ كل العناصر ضمن إطارها، خصوصا تلك التي تخدم الأجيال القادمة أيضا.