رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


قمة خليجية لاستثمار الثبات

تستضيف البحرين قمة دول مجلس التعاون الخليجي الـ 37 اليوم الثلاثاء، وهي قمة استثمار الثبات، إن جاز لنا التعبير، فهي تأتي في ظل رضا شعبي عام عن دور مجلس التعاون لدول الخليج العربية في تحقيق وحدة الصف لشعوبه، ومقارنة بالسنوات الأولى لانطلاق ركب التعاون الخليجي كان هناك كثير من المشككين في جدوى العمل وفق مفهوم التعاون المشترك ومجلس لذلك، والبعض شكك في الدور وحتى النيات في ظل وجود الجامعة العربية. لكن الخطى كانت ثابتة وهادئة ومدروسة جدا، حافظت على معنى التعاون الخليجي في سيادة واضحة لكل دولة واحترام متبادل نابع من أصالة عربية عميقة، وما هي إلا سنوات حتى اندلعت قضايا هائلة جدا تعصف بأي تجمع دولي مماثل، بدأت بانهيار أسعار النفط في الثمانينيات معها حرب الخليج الأولى واضطرابات هائلة جدا تسببت فيها إيران في المنطقة بأسرها، وقد واجهت دول المجلس كل هذه التحولات بصلابة وتعاون مثير جدا، والتزمت بمواقفها تجاه قضايا الأمة وكانت جزءا لا يتجزأ من الأمة العربية وجامعتها، ولقد دفعت فاتورة باهظة جدا للحرب الخليجية الأولى وعمل القادة على تجنيب دولهم وشعوبهم ويلاتها حتى انتهت وأبناء الخليج ينعمون براحة وخير، وخرجت دول الخليج من تلك الحقبة أكثر حكمة وإيمانا بأهمية التعاون المشترك واستمراره، حتى اندلعت حرب توحيد اليمن ثم الحرب الخليجية الثانية، ثم الأزمة الاقتصادية الخانقة في التسعينيات. ومع ذلك استطاعت دول المنطقة الخروج من كل تلك الأهوال أكثر حكمة والشعوب أكثر ازدهارا، بينما خرجت مؤسسات دولية كثيرة من على الخريطة السياسية أو لم تعد فاعلة عمليا عندما واجهت مشكلات كالتي واجهها قادة دول مجلس التعاون. واستطاع القادة المضي بالمجلس بسلام نحو فجر القرن الـ 21، والشعوب متفائلة جدا وسط غيوم كبرى من عواصف سياسية في المنطقة والعالم لتتكرر أحداث الثمانينيات المأساوية ولكن بأسى أكبر، فحلت كارثة احتلال بغداد، ثم ارتفاع أسعار النفط ومعها تقلبات اقتصادية لم يشهدها العالم من قبل، وانتهت بأزمة مالية كادت تنهي كل إنجازات العالم الحضارية معها. ورغم حجم الكارثة المالية ومع كثرة المؤسسات المالية والاقتصادية في العالم، إلا أن العالم بأسره نظر بأمل إلى مجلس التعاون الخليجي للتدخل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وكانت دول المجلس في موعدها تأخذ موقعها الذي يليق بها، وقدمت دعما للاقتصاد العالمي حتى نهض من كبوته، وبالكاد أفقنا من هذا حتى جاءت كوارث الربيع العربي بما يعصف بكل الأحلام التي بدت قريبة، وفي خضم الموجة العاتية انهارت كل الوسائل ولمواجهة الكوارث التي نتجت عن الثورات العربية وبقي مجلس التعاون لدول الخليج العربية كالطود العظيم، وفيه تعلقت الآمال، وأسهم بقوة هائلة في حل الأزمات هنا وهناك وإطفاء الحرائق، وكان كالفارس الأشم في وسط قافلة يحميها من كل عادية، فمع فقدان كثير من الدول العربية توازنها زادت الأطماع فيها لكن قادة دول المجلس بالمرصاد لكل المحاولات، ولعل "عاصفة الحزم" التي قادها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لحماية الشعب اليمني وحماية الحدود الجنوبية للمملكة تؤكد قدرات المجلس العسكرية، وأثبت المجلس بعد 37 عاما أنه كان الحصن الحصين للشعوب، وأنه نموذج هائل لم ترصد جميع إمكاناته التي يمكنه إنجازها.
تأتي قمة استثمار الثبات، وشعوب الخليج ترفل في ثوب عزة خاطها القادة بسهر ليل طويل ومشقة هائلة وتبادل للرأي ما ينفك، واحترام لكل طرف، والشعوب اليوم تشعر بثقة هائلة بالمجلس وأنه قادر على تخطي عقبات تراجع أسعار النفط وما ترتب عليه من إعادة صياغة للميزانية العامة لكل دولة وما يقتضيه الحال اليوم من فرض بعض الضرائب الضرورية للتحكم في الاقتصاد، فالمجلس اليوم يقف على قاعدة صلبة من الدعم الشعبي الكبير، والثقة العالمية، ولهذا فإن قرارات اليوم هي مستقبلنا، ونحتاج إلى تقدم في شأن التكامل الاقتصادي، وأن يصبح الخليج وحدة اقتصادية وتكتلا واضح المعالم بشروط أساسية للانضمام إليه، فالعالم يعرف اليوم قيمة دول الخليج وتأثيرها وعمقها السياسي والاقتصادي والجغرافي، وحتى العسكري، ومع تنافس محمود ومحموم بين مدن الخليج وأسواقها، فإن الاستثمار الأمثل لهذه القاعدة الصلبة هو ما ننتظره من القادة اليوم، والاستفادة من التجارب السابقة لصنع بيئة اقتصادية عالمية الطابع، تنافس أكبر الاتحادات الاقتصادية وتباريها. تتويجا لمسيرة متنامية بالإخاء والعطاء ومزدهرة نحو مستقبل متطلع إلى مزيد من التقدم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي