ذروة «التعاون» الخليجي وتضحياته .. تكتل اقتصادي واتحاد سياسي

ذروة «التعاون» الخليجي وتضحياته .. تكتل اقتصادي واتحاد سياسي
مواقف وتضحيات متعاضدة في ميادين العزة والشرف، تمثل الرافد القيمي والثقافي الحقيقي لوحدة الخليج.
ذروة «التعاون» الخليجي وتضحياته .. تكتل اقتصادي واتحاد سياسي
أمن الخليج خط أحمر.

لا هجمات البرتغاليين المباشرة، ولا محاولات الإنجليز غير المباشرة، انطلاقا من مبدئها الشهير "فرق تسد"، استطاعت النيل من وحدة الخليج وإحساس قادته وشعوبه بالمصير المشترك. لتخيب على صخرة الصمود والتآخي، على مدى قرون، كثير من الأطماع الإقليمية والعالمية تجاه مصدر طاقة لا غنى للعالم عنه، وتجاه بقعة استراتيجية محورية، لطالما ربطت الشرق بالغرب، ثقافيا وسياسيا واقتصاديا، بكل محبة وتسامح، وبلا حساب أو منة.

"ليست عادية"

وبالعودة إلى مجريات ومعطيات التوقيت السياسي "فليست قمة خليجية عادية تلك التي تسبقها بوقت قصير جولة رسمية سعودية على أعلى مستوى". هذا ما يمكن اختصاره لكثير من ردود الأفعال الدولية والعربية حيال الجولة الأخوية الخليجية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، التي استهلها الملك بزيارة للعاصمة أبوظبي، في توقيت لافت هو أيضا، إذ تزامن واحتفال الإمارات الشقيقة بذكرى اتحادها الوطني.

كما تجدر الإشارة إلى أن القمة سبقتها مناورات أمنية خليجية مشتركة في المنامة، بحضور الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية بعنوان "أمن الخليج"، فضلا عما أكده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، قبل ما يقرب الشهر، أن دول مجلس التعاون الخليجي أمامها فرصة كتكتل في أن تكون أكبر سادس اقتصاد في العالم. خلال كلمته التي ألقاها، في بداية أعمال الاجتماع الأول لهيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية في دول مجلس التعاون في الرياض.

أواصر وحدة

حراك متكامل، أمنيا واقتصاديا، يتوج بقمة سياسية على هذا المستوى الرفيع، ليس بالغريب على روح الأخوة الجامعة بين دول التعاون، لكنه أيضا - وفقا لمراقبين - علامة من علامات الاتحاد المأمول بين دول المجلس، فعوامل الوحدة الثلاث، السياسية والاقتصادية والأمنية، تجلت عبر صور التفاهم واتفاقيات هذه الزيارات المتبادلة بين الأشقاء.

حيث الاتفاقيات الأخيرة المتتابعة على أنواعها وتفاصيلها الدقيقة، وبما تعوله عليها دول الخليج، من نتائج مستقبلية، تنقل مرحلة "التعاون" إلى الذروة بمراحلها التكاملية الأوسع، وبمتطلباتها الوحدوية على مستوى العلاقات الثنائية والجماعية. إذ إن الترابط الثقافي والقيمي، كما السياسي بين قيادات الدول بعضها البعض، أو الشعوب الخليجية التي يقدر مجموعها بـ 50 مليون نسمة، سابق لأي معاهدات مكتوبة أو ضمنية. وتشهد به كثير من الأواصر السياسية والعائلية الضاربة في عمق التاريخ.
#2#
لذلك، العلاقات الخليجية أقدم وأعرق من أن تؤطر بتأسيس مجلس التعاون الخليجي 1981، وإن كان يحسب له دائما، مؤسسيا وتاريخيا، كثير من حصاد اليوم وذرواته التعاونية. كما إن تأمل أسباب قيام المجلس بالتزامن مع تصاعد مخاوف خليجية مشتركة من محاولات تصدير الثورة الإيرانية المسروقة من قبل الملالي، يضع جميع دول التعاون اليوم أمام التزامات أكبر مع التغلغل الميليشاوي غير المسبوق لأذرع إيران، المتزامن مع الدور السلبي لواشنطن تجاه التزاماتها في المنطقة.

تضحيات مشتركة

التعاون الخليجي بحسب المراقبين يضرب أمثلة عملية مشرفة غاية في الانسجام، إذ تُوج عسكريا قبل أعوام بالذود المشترك عن البحرين، عبر قوات درع الجزيرة، إثر تدخل طهران السافر. كما التأم هذا التعاون مرة أخرى ليصل ذروته العسكرية والأمنية من خلال عاصفة الحزم لدحر الانقلاب الحوثي في اليمن بتنسيق تام ومتكامل فاجأ الجميع في توقيت وسرية الإعداد المشترك، فضلا عن احترافيته الميدانية المشهودة، التي أثمرت تحرير عدن وما يتبعها من مدن جنوبية، وصولا إلى دحر الانقلابيين وأعوان المخلوع صالح في جبال صنعاء وصعدة.

أما عن الأوضاع العامة المحيطة بدول الخليج، فلطالما سيقت تعابير لسياسيين معروفين من قبيل، "حديقة وسط حريقة" أو "واحة وسط صحراء قاحلة"، لتوصيف الأحوال الصعبة التي تمر بها المنطقة، أمنيا واقتصاديا وسياسيا، باستثناء دول الخليج التي لا تزال ملاذا آمنا للنمو وصناعة المستقبل، عبر خطط ورؤى اقتصادية طموحة تصب في بناء الإنسان ورفعته.

اهتمام عالمي

يذكر أن مؤسسة "راند" الأمريكية للأبحاث أجرت دراسة حديثة ومستفيضة عن مجلس التعاون الخليجي تناولت عوامل الوحدة بين دوله الأعضاء ودلالات تلاحم المجلس إقليميًا على مدى السنوات العشر المقبلة "أي حتى عام 2025"، وتأثر الأمن القومي الأمريكي مباشرة بمستوى التعاون بين دول المجلس لارتباط المصالح الأمريكية والسلام العالمي ككل باستقرار المنطقة وضمان تدفق الطاقة بحرية إلى الأسواق.

حيث أكدت الدراسة أن الرغبة الملحة لدى دول المجس في تحقيق التكامل ستدفع إلى مواصلة التنسيق، إضافة إلى توافق ردود الفعل فيما يتعلق بقضايا الأمن الإقليمي، مشيرة إلى أن أزمة اليمن وحدت دول مجلس التعاون الخليجي على المستوى الأمني. كما أضافت الدراسة تعاظم خطر "داعش" باعتباره معززا للتعاون بين دول المجلس، خاصة تبادل المعلومات الاستخباراتية والتنسيق بين الأجهزة الأمنية لدول المجلس.

أمن المنطقة

أما في الجانب الاقتصادي فتتوقع الدراسة أن يؤدي تنامي التجارة الخارجية وتطور البنى التحتية لدول المجلس إلى زيادة التكامل الاقتصادي بينها خلال العقد المقبل. مشددة في خلاصاتها الموجهة لصانع القرار العالمي والأمريكي على أن من أشد القضايا إلحاحاً على المدى القريب هو أن تثبت واشنطن لشركائها في مجلس التعاون الخليجي أنها ما زالت ملتزمة بأمن المنطقة إزاء بوادر التعاون الأمريكي مع إيران بعد الاتفاق النووي. فعلى المدى البعيد يجب أن تدعم الولايات المتحدة دول مجلس التعاون الخليجي في سعيها إلى بناء قاعدة أكثر تنوعا واستدامة حفاظا على أمن المنطقة.

إن كل هذه العوامل الداخلية والخارجية والتطلعات الاقتصادية ليست إلا أسبابا ونتائج على طريق حتمية الوحدة الخليجية، وإن تنوعت سبل الوصول إلى ذلك، إجرائيا وآليا، بتعدد الروابط والخبرات المشتركة بين دول التعاون. في حين تبقى الذاكرة الوحدوية المشتركة الضاربة في عمق التاريخ بجذورها الأخوية، والمعززة اليوم بمواقف وتضحيات متعاضدة في ميادين العزة والشرف، تمثل الرافد القيمي والثقافي الحقيقي والمتصاعد لتمكين هذه الوحدة والإعلاء من شأنها شعبيا وحكوميا.

الأكثر قراءة