رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


ماذا لو لم يكن لأمريكا نصيب من «الصخري»؟ «2»

عملية إنتاج "الصخري" تتطلب حفر الآبار متقاربة، حيث تكون المسافة بينها في حدود مئات أو ربما عشرات الأمتار. ومع مرور الوقت يغطي الحفر المكثف معظم سطح أرض الحقل ويضطر المنتجون إلى العودة إلى مناطق كان قد تم استغلالها، فيكون الإنتاج أدنى مما كان بكثير وترتفع التكلفة. أما خارج أمريكا الشمالية، فإن تكلفة إنتاج البترول الصخري أعلى بكثير من تكلفة الإنتاج الأمريكي، بل ربما أنها تصل إلى الضعف. والأسباب من بينها ما يتعلق بالجيولوجيا وعمق الآبار، إلى جانب عوامل أخرى لوجستية، حيث تدعو الحاجة في مواقع كثيرة إلى توريد معظم المعدات والخدمات بتكلفة أعلى منها في أمريكا نفسها. وقد تنبأت بعض الهيئات الدولية المتخصصة بأن إنتاج البترول الصخري بعد 25 عاما من الآن وعلى مستوى العالم، لن يزيد على عشرة ملايين برميل في اليوم، وهو تحسب معقول إذا أخذنا في الاعتبار صعوبة وتدني الإنتاج. وهذا يشير إلى أمرين، الأول أن سعر البرميل سيرتفع في ذلك الوقت ليسمح بإنتاج الصخري الأعلى تكلفة من أكثر من موقع حول العالم، وقد يكون سعر البرميل في حدود 150 دولارا كحد أدنى، مع احتمال أن يكون السعر آنذاك أعلى من ذلك. الأمر الثاني يعود إلى ضآلة كميات إنتاج بئر "الصخري" رغم التكلفة المرتفعة. وهذا التقدير لكمية الإنتاج المحتمل بعد عقدين ونصف من الآن لم يأخذ في الاعتبار تدخل العوامل البيئية التي من الممكن أن تحد من إنتاج "الصخري" في بعض الدول، فقد تم رصد حدوث زلازل محلية في الولايات المتحدة نتيجة للتكسير الهيدروليكي. ومعلوم أيضا أن سوائل عملية التكسير قد تسبب تلوثا خطيرا للمياه الجوفية والسطحية إذا لم تتخذ إجراءات احترازية خاصة أثناء وبعد إتمام حفر بئر "الصخري". وهناك احتمال إقامة دعاوى قضائية ضد شركات الإنتاج بعد سنوات، وهو أمر وارد، عندما يتبين وجود مضار بيئية منسوبة لعملية الحفر، وبعض الدول التي لم يبدأ فيها بعد إنتاج "الصخري" لديها الآن تحفظات حول إمكانية ترخيص الحفر من عدمه.
وتقدر إدارة معلومات الطاقة الأمريكية الاحتياطي العالمي للبترول الصخري بما يقارب 350 مليار برميل، موزعة بين عدد من الدول، ولعله، بوجود بترول صخري في دول لم تذكرها إدارة المعلومات، ومن ضمنها السعودية ودول شرق أوسطية أخرى، فمن المحتمل ألا يقل مجموع الاحتياطي العالمي عن 400 مليار برميل، وأكبر احتياطي صخري يوجد في روسيا، حيث يبلغ 70 مليار برميل. ونظرا لتكون معظم البترول الصخري في طبقات أفقية يصعب تحديد أبعادها، فإن تقدير الاحتياطي أقرب ما يكون للعمل العشوائي. وهذا يعني أن الاحتياطي المذكور قد يزيد أو ينقص بنسبة كبيرة، ولكن حتى مع ضخامة الاحتياطي فإن إنتاجه ليس فقط مكلفا، بل هو شحيح بسبب استحالة امتداد عملية التكسير إلى مسافات كبيرة حول محيط البئر. وهذا هو أحد العوامل التي تجعل متوسط عمر بئر البترول الصخري الاقتصادي لا يتعدى بضع سنوات، بينما عمر معظم آبار البترول التقليدي قد يمتد إلى 30 عاما.
البترول الصخري وجد ليبقى، فإذا انخفض إنتاجه في أي وقت كان ولأي سبب أو توقف فسيعود إذا زالت المسببات، فلا معنى لمحاربته ولا منطق. والسبب الرئيس لانخفاض إنتاج "الصخري" قليلا خلال السنتين الماضيتين هو نزول الأسعار إلى ما دون تكلفة معظم مناطق إنتاجه في الولايات المتحدة. وسيظل إنتاجه في المستقبل تحت رحمة مستوى الأسعار، وكان من الممكن أن يمر نمو إنتاجه من لا شيء حتى يبلغ أكثر من أربعة ملايين برميل في اليوم خلال سبع سنوات مرور الكرام، لولا مجهود ماكينة الدعاية الأمريكية. وكلنا يذكر كيف أن روسيا كانت قد رفعت كميات إنتاجها بين عامي 2000 و2015 من ستة ملايين برميل في اليوم إلى أكثر من عشرة ملايين. ومع ذلك فلم يكن في وسائل الإعلام أي ذكر لذلك التطور الكبير في الإنتاج الروسي. وفي نظري، لا فرق بين المصدرين، الروسي و"الصخري" بالنسبة للسوق البترولية. ولو ألقينا نظرة سريعة على ما كان يحدث في كندا، جارة أمريكا، من تطور أيضا في إنتاج الرمل البترولي الذي ارتفع في زمن البترول الصخري الأمريكي بما يزيد على مليوني برميل، ولم نسمع عنه أي ضجة إعلامية كالتي مارسها الإعلام لتضخيم موضوع إنتاج "الصخري". ولا يزال هناك من ينظرون إلى البترول الصخري على أنه المنقذ بعد نضوب مصادر البترول الرخيصة، أو ما يطلق عليه البترول التقليدي، وهي نظرة تغفل مدى قدرة البترول الصخري المتدنية على تلبية الطلب العالمي عندما ينخفض إنتاج التقليدي بنسبة كبيرة. فالعالم تعود على سهولة ويسر الإنتاج الكبير من حقول البترول التقليدي ويربط الفكرة بحقول الصخري التي لها صفات خاصة. وإنتاج البترول الصخري ما هو إلا بداية لمرحلة انتقالية مقبلة إلى مصادر بترولية أكبر تكلفة حتى من الصخري نفسه، وسيأتي دورها عندما تنضب الحقول الرخيصة ويتحول الإنتاج العالمي بأكمله إلى ما يسمى اليوم غير التقليدي. وربما أنه من حسن الطالع أن يكون الطلب العالمي آنذاك على البترول، بعد أربعة إلى خمسة عقود من اليوم، قد انخفض بنسبة كبيرة لمصلحة المصادر المتجددة النظيفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي