دول الخليج .. التطلعات والتحديات
أنشئ مجلس التعاون لدول الخليج العربية، كاستجابة للشعور العام بين شعوب الدول المشاركة فيه بوحدة المصير والوحدة الثقافية والتاريخية، خاصة في ظل تطور القضايا السياسية والاقتصادية من حولهم، مع شعور مضطرب نحو الحلول الفردية التي انتهجتها كثير من الدول العربية، وظهور ملالي إيران على الساحة السياسية مع أطماع كبيرة وأوهام تصدير الثورة، فمجلس التعاون لدول الخليج العربية يمثل مطلبا شعبيا عاما، وكانت القيادة السياسية في دول الخليج العربية على مستوى الأحداث، والتطلعات والتحديات وجيلا بعد جيل قد تعاهدوا على المضي في التعاون المشترك بما يحقق طموحات شعوبهم رغم تزايد المخاطر ورغم التقلبات السياسية والاقتصادية الضخمة، التي مرت وتمر بدول المجلس والمنطقة. ولقد أثبتت التحديات التي مرت بها دول المنطقة أن النموذج الذي قدمه قادة دول الخليج العربية هو أفضل نموذج للعمل المشترك، ويقف على أسس متينة، بل ويزداد رسوخا مع الأجيال، فهو تعاون يعترف بالتعددية، ويعترف بالآخر الذي يحترم التعايش، لكنه في الوقت نفسه تعاون ضد الفوضى، ضد العبث بالأمن والشعوب والقدرات، وباختصار هو تعاون على البر والتقوى.
لقد واجهت دول الخليج منذ إنشاء مجلس التعاون تحديات الطفرة النفطية، ثم انحسارها، وتقلبات الأسواق المالية، والفوضى التي أوجدتها، وعبرت بسلام من تجربة حرب الخليج الأولى وعلمت أهمية إنشاء وحدة دفاع مشتركة، سميت فيما بعد بـ"درع الجزيرة" الذي شكك كثيرون في قدراتها، لكن أثبتت فعالية هائلة في العمل مع حرب الخليج الثانية ومع فوضى الاضطرابات المصطنعة التي حاولت أن تعصف بالبحرين الشقيقة، لقد أثبتت "درع الجزيرة" أنها تجربة حقيقية بروح التعاون، فهي تتعدى مفهوم الحلف العسكري بكثير. ومع الأزمات المالية والاقتصادية التي مرت على المنطقة والعالم كانت دول الخليج صفا واحدا ضد هذه العاصفة الهوجاء، وأسهم الجميع ببراعة اقتصادية في تجنيب شعوب المنطقة آثار تلك الأزمة، وظهرت روح التعاون بين البنوك المركزية لحل المشكلات ومنح الثقة للأسواق، وما إن انقشعت غمامة تلك العاصفة حتى تبين مرة أخرى أن التعاون الخليجي نموذج فريد يستحق الدراسة، بينما مضى القادة يرسمون طريقا جديدا للمستقبل الاقتصادي مع الاتحاد الجمركي والتحول الاقتصادي نحو التكامل المشترك، والآن يتم الترتيب لتوزانات اقتصادية في الإيرادات العامة للدول وتقليص حجم الدين العام وفرض ضرائب القيمة المضافة بطريقة تضمن تدفقات نقدية كافية للدول ومن ثم نخطو خطوة واثقة نحو الاتحاد النقدي، والعملة الموحدة.
ولأن الشعور بوحدة المصير، وأن شعوب المنطقة يمثلون شعبا واحدا مع اعتراف كامل بالتباينات الضرورية للحياة، ها هو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في جولته على دول الخليج العربية يبدأها من دولة الإمارات التي تحتفل باليوم الوطني، وهذه دلالة مهمة على أن اليوم الوطني لأي من دول الخليج هو يوم للوطن الخليجي ككل ولجميع أبنائه فلا عجب أن يشارك خادم الحرمين الشريفين أبناء الإمارات هذه الاحتفالية، لكن هذه الزيارة أبعد تأثيرا من مجرد مشاركة في احتفاليات اليوم الوطني، بل هنا يتطلع أبناء الأمة العربية لأن قيادة الملك سلمان لدول المجلس أصبحت أمل الجميع في عبور هذه الأزمة السياسية الخانقة التي تمر بدول المنطقة العربية، لهذا وبعد هذه الزيارة سيتوجه الملك إلى الدوحة للقاء الأشقاء هناك قبل انعقاد قمة المنامة التي ستحتفل باكتمال عقد القادة فيها لهذا العام، ومن المتوقع أن تكون الأزمة اليمنية والسورية بشكل خاص على طاولة النقاش ذلك أن ظلال التعاون الخليجي قد امتدت لتظلل أبناء الأمة العربية جمعاء، وهذا له شواهد عدة منذ أزمة الخليج الأولى حتى ما تشهده دول المنطقة من مشكلات شتى قد حذر منها قادة الخليج في كل مناسبة. وبعد اختتام القمة، ستكون الكويت محط أنظار العالم، لأن هذه الزيارة ستستغرق ثلاثة أيام، وستشهد عددا من اللقاءات والفعاليات، ومن المتوقع أن تتلخص فيها نتائج هذه الجولة التاريخية لخادم الحرمين الملك سلمان، وهو الذي عرف بالحنكة في التخطيط للعمل والسعي بكل جهده نحو تنمية شاملة مدروسة.