السعودية .. الدور المحوري في السوق النفطية
عملت المملكة منذ أكثر من عامين على استقرار السوق النفطية. وانطلقت في ذلك من سياساتها الثابتة في هذا المجال التي تتمحور بالطبع حول ضرورة استقرار هذه السوق، وأن تكون هناك عدالة لكل أطرافها المستهلكين والمنتجين، والجهات التي تنتج من خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك"، إضافة طبعا إلى بلدان المنظمة نفسها. ورغم أن عمليات التصحيح التي عملت عليها السعودية في الأشهر الماضية، كانت لها آثار سلبية على العوائد النفطية للمملكة، إلا أنها حرصت على مواصلة التحرك من مفهوم استراتيجي، بمعنى أنها تسعى لسوق مستقرة مستدامة تقاوم أي اضطرابات، وأي مخالفات تحدث من هذه الجهة أو تلك خصوصا من الجهات التي أسهمت مباشرة في رفع مستوى المعروض النفطي العالمي السلبي.
وقبل الاتفاق الأخير الذي حدد خفضا بـ1.2 مليون دولار يوميا من الإنتاج، كانت المملكة تقاوم في الواقع مواقف سلبية يمكن وصفها بالتخريبية من جانب بعض الدول المنتجة وفي مقدمتها إيران التي رفضت أي تعاون في مجال العمل لموازنة السوق، بل إنها اتخذت سلسلة من المواقف التي تنال حتى من أي اتفاق قبل أن يتم الاتفاق أصلا، ومع كل هذه المواقف السلبية حرصت السعودية على العمل من خلال الاجتماعات والاتصالات والمباحثات المشتركة والثنائية على إنجاح أي اتفاق محتمل، ولكنها في الوقت نفسه التزمت بما حددته لنفسها وللسوق العالمية. فهي (أي المملكة) قادرة على إحداث الفارق بصرف النظر عن أي تحولات في هذه السوق.
وبعد إتمام الاتفاق المشار إليه، ثبت للعالم أن الرياض لا تعمل لمصلحتها فقط، بل لمصلحة السوق من زاوية بعيدة عن أي اعتبارات سياسية أو حتى اقتصادية. أي أنها تدعم استراتيجية تصنع التوازن في سوق متوازية. والحق إنها كانت أول المبادرين في ذلك، وبالتالي لا يمكنها أن تترك الأمور تمضي في مسار ترغب فيه الأطراف الساعية إلى التعطيل أو التخريب. ومما لا شك فيه أن الموقف السعودي هو الذي أنجز الاتفاق النفطي العالمي الأخير، ليس فقط من خلال الخفض الخاص بالمملكة، بل أيضا من جهة المواقف الحاسمة لها، لاسيما تلك التي لا تقبل المساومة فيما يرتبط بكل المصالح. فالعمل لا يستهدف مرحلة آنية قصيرة، بل فترة زمنية طويلة، ينتشر فيها الاستقرار المطلوب.
ولقد أثبتت السياسة السعودية القدرة على النجاح منذ اليوم الأول، وأثبتت أيضا أنها تصب في مصلحة السوق من الزاوية العالمية. وطالما تحركت من أجل العدالة والتوازن المطلوبين في هذه السوق المحورية على صعيد الطاقة. وفي الوقت الذي تواجه فيه تعطيلات مخططة من جانب بعض الجهات، مضت قدما إلى آخر مدى. لم تعد هناك فرصة للحلول الوسط، كما أنه ليس هناك مجال للإنتاج "من تحت الطاولة" لأن الأمر لا يتعلق بدولة أو مجموعة دول، بل بالحراك الاقتصادي العالمي. كما أن الأطراف غير المتعاونة عرفت أنه ليس باستطاعتها ممارسة سياسات معطلة، لأنها في الواقع لا تملك الأدوات التي تملكها السعودية على الساحة النفطية. والأهم من هذا، أن كل خطوة تقوم بها المملكة على الصعيد النفطي، تؤكد مجددا مدى شعورها السامي بالمسؤولية المحلية والإقليمية والعالمية.
في الحقيقة ما كان لهذا الاتفاق من وجود، لولا حراك السعودية الاستراتيجي المتوازن الذي استند إلى مصلحة الجميع، لا إلى مصلحة خاصة. فالسوق في النهاية عالمية، وأطرافها من كل الأرجاء، وبالعقلانية يمكن أن تصل السوق إلى المرحلة المأمولة.