تخطيط نحو الغد بمعايير ما بعد الغد
أعطى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، دفعا جديدا لـ "رؤية المملكة 2030"، بتأكيده مجددا على أهميتها الاستراتيجية، ودورها المحوري في صياغة الاقتصاد الوطني السعودي الجديد. إنها رؤية متكاملة، فيها من الفرص والأدوات الكثير، كما أنها تحاكي متطلبات المرحلة المقبلة في البلاد، ولا سيما في ظل عدم وضوح الرؤية للاقتصاد العالمي ككل، فضلا عن التحولات على عدد من الأصعدة، بما في ذلك التحول الحاصل على الصعيد النفطي. ولهذه الأسباب وغيرها، تشكل "رؤية المملكة 2030" ركيزة أساسية للانطلاق نحو المستقبل بخطوات ثابتة وأكثر قوة، والأهم أنها تشكل الحاضر والمستقبل الاقتصادي للمملكة. وقد ثبتت هذه الحقائق بالفعل، في الأشهر القليلة الماضية، من خلال تماهي "الرؤية" مع المستجدات والمتغيرات، لأنها تشتمل على كل القطاعات التي تشكل في النهاية الاقتصاد الوطني.
خلال كلمته في حفل إمارة المنطقة الشرقية البارحة الأولى، شدد خادم الحرمين الشريفين - كما يفعل دائما- على الدور الأساسي للمواطن في مسيرة التنمية، وفي دفع معاول "الرؤية" نحو الأمام لتحقيق أهدافها ضمن المدة الزمنية الموضوعة لها. وهو يعد أن المواطن هو الثروة الحقيقية للبلاد بصرف النظر عن أي متغيرات وتحولات، وأي مخطط اقتصادي تنموي لا يتم وضعه إلا من أجل هذا المواطن ليس فقط في حياته المعيشية الراهنة، بل في مستقبل أبنائه وأحفاده. وقد أثبت الشعب السعودي بالفعل وعيا عالي المستوى من خلال التعاطي مع المخططات الاقتصادية الاستراتيجية، إلى جانب وطنيته ووعيه التاريخيين في مجال الدفاع عن الوطن بكل الوسائل المتاحة. فالجميع يعلم أن السعودية مستهدفة منذ سنوات من أعداء لا يريدون إلا شرا بها، في الوقت الذي تعاطت فيه مع كل القضايا المطروحة على الساحتين الإقليمية والعالمية، وفق ما يصب في مصلحة الشعوب كلها.
والملك سلمان بن عبد العزيز يستند إلى ثقة كبيرة للغاية على وطنية ووعي الشعب السعودي من أجل حاضره ومستقبل أبنائه. ومن أجل أن يكون الإنجاز بمستوى يليق بالوطن كله. ولهذا ينظر إلى "رؤية المملكة 2030" وبرنامج التحول المصاحب لها من الزاوية الشعبية، لأنها ببساطة ما وضعت إلا من أجل الشعب ومستقبله وازدهاره. والمملكة قادرة على المضي قدما في عملية التنمية تحت أي ظروف اقتصادية كانت. فهي التي تصر حتى اليوم على مسألة تصحيح السوق النفطية رغم آثارها السلبية المباشرة عليها. لماذا؟ لأن السعودية تعمل بذهنية استراتيجية تحاكي المستقبل، وليس وفق ظروف آنية لا آفاق لها. ووفق هذا المنهج ترسم سياساتها في كل القطاعات، وتضع الأسس اللازمة من أجل البناء لمواجهة الاستحقاقات بصرف النظر عن ماهيتها.
خادم الحرمين الشريفين حدد الأطر العامة لمواصلة تنفيذ "رؤية المملكة 2030"، وهذا يزيد من فاعلية الأدوات الخاصة بها. وترك أيضا الباب مفتوحا أمام التجديد والأفكار البناءة التي تستهدف الوطن ولا شيء غير الوطن والمواطن، خصوصا أن في المملكة إمكانات تدفع أي مخططات اقتصادية نحو الأمام، وتقوم بتكريسها على الساحة. فالسنوات القليلة المقبلة لن تكون سهلة، والعمل لمواجهة استحقاقاتها يختصر المسافة نحو المرحلة، التي تستهدفها القيادة العليا في المملكة. فكل خطة يتم تنفيذها في السعودية هي في الواقع لصيانة مستقبل تنموي اقتصادي معيشي عالي الجودة، وهي قادرة على تحقيق ذلك، في ظل وجود قيادة لا تعمل فقط لليوم، بل تخطط وتتحرك نحو الغد بمعايير ما بعد الغد.