إدارة الخزانة في الأوقات الصعبة

عندما تزداد الأمور تعقيدا، سيبدأ الجميع في تحويل أصولهم إلى نقد. عندها يصبح النقد سيد الموقف وترتبط محاور القيمة الفعلية بقدرة التاجر أو المستثمر على تحويل أنشطته إلى نقد حقيقي يمكن نقله واستخدامه وتغيير أغراضه كما يريد. أو على الأقل، سيعيد المسؤول عن إدارة الثروة حساباته ويحاول حصد نتائج أفضل بالاستخدام الأمثل لمصادر الأموال. وهذا الأمر لم يشعر به كثيرون بعد. وكما أن الترف المالي شوه سلوكيات الأفراد، فالترف الرأسمالي شوه سلوكيات الأعمال كذلك.
عندما نتحدث عن الخزانة فنحن نتحدث عن صورة مجسدة ومادية لإدارة الثروات، عن الاستفادة من قدراتنا المالية وهي في أبسط أشكالها. الفشل في إدارة الخزانة يعني الفشل في إدارة العمل التجاري بغض النظر عن ملامح النجاح الأخرى، مثل النمو السريع. أعتقد أن أسلوب إدارة الخزانة في معظم الشركات المحلية يفتقد كثيرا من الأساسيات ويعج بالإخفاقات التي يخفيها رأس المال السهل. ستصبح المهمة مضاعفة خلال الأيام المقبلة، ارتباطا بثلاثة محاور: المتغيرات الاقتصادية في الأسواق وتأثير ذلك في السلوكيات والنتائج، المتغيرات التنظيمية خصوصا ما يتعلق بخسائر الشركات، تصحيح أسلوب إدارة الخزانة وبناء القدرات والأدوات للقيام بذلك بالشكل الصحيح والملائم.
تعتبر إدارة الخزانة من أهم مكونات الإدارة المالية، وبشكل مبسط، ترتبط إدارة الخزانة بإدارة النقد وما يرتبط به من مصادر مالية واستثمارات وعلاقات مصرفية. مدير أو أمين الخزانة The Treasurer هو الشخص المسؤول عن كل ما يرتبط بالنقد من تطبيقات وأدوات ويعتبر أكثر الأشخاص معرفة بمداخل ومخارج وتوقيت الأموال والنقد على مستوى المنشأة.
إضافة إلى ما سبق، نجد أن نمو الحركة الائتمانية وتطور أسواق الدين وتغير أسلوب الصرف الحكومي والتغيير المتوقع في أسلوب إدارة المدخرات -على سبيل المثال: خروجها من سوق الأراضي إلى بدائل أخرى- وتأثيرات ذلك في وفرة وشح السيول، يحمِّل مجلس الإدارة مسؤولية أكبر في متابعة أعمال وشؤون الخزانة ويجعل المسؤول عن إدارة الخزانة في موقع أهم ضمن إدارة الشركة. لذلك، لابد أن يتم تقييم مدى كفاءة الفريق الذي يقوم بإدارة الخزانة وتقييم جودة العمل الذي يقوم به. من المتوقع أن يحظى من يقوم بهذا الدور بتأهيل مالي متخصص، مثل حصوله على الزمالات المالية والمحاسبية المعروفة أو حتى المتخصصة بإدارة الخزانة مثل شهادة Certified Treasury Professional CTP.
تبدأ الإدارة الجيدة للخزانة بالفهم الجيد للنظام المالي المحلي والتفاصيل التنظيمية والاقتصادية ذات العلاقة. وهذا يعني الإلمام القوي بآليات التمويل والاستثمار المتاحة وإدارة مصادر الأموال. وفي الجانب الآخر لابد من إدراك آليات عمل المنشأة نفسها وأساليبها التقليدية في تحصيل الإيرادات وسداد الالتزامات وما قد يطرأ على ذلك من تغيير. وللربط بين هذه الجوانب يستخدم فريق الخزانة المتمكن أدوات متعددة لإدارة رأس المال العامل ويقوم بإدارة العلاقات المصرفية بشكل فعال إضافة إلى التحليل المستمر والدقيق لحركة الأصول والالتزامات، ويصدر تقارير التوقعات النقدية للفترات المقبلة ومؤشرات السيولة والكفاءة النقدية بشكل روتيني ومفيد. وبالطبع لدى المسؤول عن الخزانة حس عال بالمخاطر المالية ومخاطر الخزانة تحديدا، وهذا يعني تصنيف هذه المخاطر وتحديد الأولويات والأدوات التي تمكنه من الاستجابة لها وتفاديها بما يتوافق مع استراتيجية إدارة المنشأة.
عندما تتعقد الأمور وتتراكم التحديات بشكل غير مسبوق لن تكون هناك فسحة كبيرة من الوقت لإعادة بناء دور الخزانة بالشكل المثالي، سيضطر حينها المسؤول إلى البحث عن المكاسب السريعة والتعديلات الوقتية التي لا تضيف في الحقيقة شيئًا كثيرا إلى القوة المالية للمنشأة ما ينعكس على مستقبلها وفرص نجاحها بشكل مباشر. لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستهانة بالمخاطر النقدية، فهي في نهاية الأمر ما يضع المنشأة خارج السوق. لذلك تبقى أفضل نصيحة لرؤساء الشركات والمديرين الماليين خصوصا من لا يزال يملك فرصة التخطيط أن يسارع ببناء فريق وأنشطة إدارة الخزانة على وجه السرعة وبأفضل الممارسات الموجودة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي