هل الجامعات معنية بالتقشف دون غيرها؟

توالت في الآونة الأخيرة انتقادات وزارة المالية للجامعات بسبب طلب هذه الأخيرة صرف مستحقات موظفيها من أعضاء هيئة التدريس. فلا يكاد يخلو يوم من قرار تقشفي تصدره وزارة المالية يحدد بنود الصرف أو انتقاد على مطالبة بمستحقات من يؤدون أعمالهم في الجامعات.
فعلى سبيل المثال انتقدت وزارة المالية طلب جامعة تبوك نقل 18 مليون ونصف المليون تقريبا من بند رواتب الموظفين إلى بند مكافآت الموظفين المدنيين المعتمد بميزانية الجامعة للسنة المالية الحالية من أجل صرف مكافآت المتعاونين في الجامعة والساعات الزائدة لـ 448 عضو هيئة تدريس موزعين على 16 كلية حسب ما بينته صحيفة "الوطن" يوم الإثنين الماضي. كما أرسلت الوزارة أيضا برقية لوزير التعليم تطالبه بإعادة النظر في الحصص التدريسية "مصطلح حصص غير متداول في الجامعات" لكل عضو هيئة تدريس في الجامعات بالتحديد لضمان عدم الاستعانة بالمتعاونين. وتبرر المالية قراراتها التقشفية هذه بسبب الظروف المالية التي تمر بها الميزانية العامة للدولة.
وكنا نتمنى أن يبقى الوضع في حدود الانتقادات والبرقيات بل تعداه إلى نشر إحصائيات اجتهادية عن الساعات المهدرة من قبل أعضاء هيئة التدريس في الجامعات بطريقة يشوبها كثير من الغموض.
ونحن نتساءل هل قرارات التقشف هذه موجهة للجامعات دون غيرها من مؤسسات الدولة؟ لماذا فقط الجامعات هي التي يجب أن تتقشف؟ وهل إلغاء الساعات الزائدة لأعضاء هيئة التدريس وعدم طلب متعاونين من خارج أروقتها سيحل الوضع المالي في الوزارة؟ وطالما أن للمالية الحق في التدخل في الجامعات ووزير التعليم لا يمانع في ذلك فلماذا التركيز على العمل الجوهري للجامعات؟ التدريس هو العمل الرئيس اليتيم الذي بقي يمارس في الجامعات لأن المهمة الجوهرية الأساسية الأخرى "البحث العلمي" قد تم القضاء عليها تماما فلا يوجد أستاذ يبحث أو مجلة تنشر سوى أبحاث هزيلة تعد للترقية لا أقل ولا أكثر ولم يبق في الجامعات إلا التدريس الذي يترنح هو الآخر ويسير أهزل كشيخ ضرير يمشي على ثلاث كمشية العرنجل.
إذا كانت وزارة المالية تريد بالفعل التقشف فإن هناك كثيرا من الهدر في مجالات لا تمس الوظيفة الأساسية لمؤسسات التعليم العالي منها على سبيل المثال مبالغ تصرف من قبل بعض الجامعات من أجل سفريات لثلة من الطلاب إلى مطلع الشمس في أقصى الأرض (اليابان) أو إلى أقصى الغرب (كندا وأمريكا) بحجة تمثيل الجامعة في اللقاءات الدولية. وهناك مبالغ باهظة تصرف على تأثيث مكاتب للمرافق المساعدة للعملية التعليمية كالصالات الرياضية والمؤتمرات التي تعقد لمعالجة موضوعات لا تضر ولا تنفع وليس لها أي إضافة تذكر مثل مؤتمر المهن الاكتوارية ومؤتمر مشاكل قرود البابون وغيرها من العناوين المضحكة المبكية.
فهل من الحكمة توقيف الصرف على جوهر العملية التعليمية من محاضرات وقاعات ومكاتب أعضاء هيئة التدريس وغض الطرف عن رحلات الطلاب إلى مشارق الأرض ومغاربها؟ والمؤتمرات التي تكتب توصياتها قبل بداية المؤتمر ثم يوصد عليها في الأدراج، والبذخ المبالغ فيه للمرافق المساندة من مسارح وصالات رياضية. وعندما يصل الأمر إلى صلب عمل الجامعات فهذا فيه نظر؟ هل تعلم وزارة المالية أن هناك أقساما كاملة في بعض الكليات تتقوقع في مكتب أو مكتبين ولا يحق لها أن تتوسع أكثر من ذلك؟ هل تعلم وزارة المالية أن أعضاء هيئة التدريس في بعض الجامعات ـــ يصل عددهم إلى أربعة أو خمسة ـــ يوضعون جميعهم طوعا أو كرها في مكتب واحد خال تماما من أدوات العصر ومتطلبات العلم والمعرفة؟ هل من الأجدر إيقاف مستحقات أساتذة تم التعاون معهم خلال فصل أو فصلين لسد ثغرات في الجدول الدراسي بينما نصرف ملايين على مؤتمر لمدة ثلاثة أيام يناقش خصائص قرود البابون؟
عندما نشرت صحيفة "الوطن" في عددها الإثنين الماضي عن أن وزارة المالية متذمرة من طلب جامعة تبوك صرف مبالغ لمتعاونين وساعات زائدة ورأت أن هذا مبالغ فيه. ونحن نريد أن نقول إن المليون ونصف المليون الذي تفاوض جامعة تبوك المالية عليه عبارة عن ساعات زائدة لبعض أعضاء هيئة التدريس لعدة سنوات وليس لسنة واحدة كما أن جامعة تبوك من الجامعات الناشئة التي لم تأخذ حقها بعد من الحوافز والدعم. وكثير من الأساتذة "سعوديون وغير سعوديين" يترددون كثيرا في العمل في الجامعات الناشئة طالما هناك بدائل أفضل في المدن الرئيسة. لذا أظن أن جامعة تبوك تعاني أزمة في استقطاب أعضاء هيئة التدريس فتعالج الوضع بتوزيع الساعات على الأساتذة في الأقسام العلمية وعندما يزيد نصاب عضو هيئة التدريس فله الحق نظاما في الحصول على ساعات زائدة وهذا تصرف منطقي تمارسه جميع مؤسسات التعليم العالي في مثل هذه الحالات.
وقبل أن أختم أريد منكم التخيل برهة لو استمر الوضع بهذا الشكل ماذا عسى أن تكون عليه مؤسسات التعليم العالي في المستقبل المنظور؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي