ضريبة «الانتقائية» .. ومواجهة «توحش» الرأسمالية
في حوار مع مجموعة من الأصدقاء حول ماهية وأهمية ضريبة السلع الانتقائية التي أقرتها دول مجلس التعاون الخليجي ومن المتوقع تطبيقها في السعودية قريبا استفسر أحد الأصدقاء فيما إذا كانت هذه الضريبة تمس جيب المواطن أم لا؟ رغم أنه يُدرِك أنها ضريبة مفروضة على السلع ذات الأضرار على الصحة العامة كالتبغ والمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة بهدف الحد من استهلاكها وما يترتب على استهلاكها من أضرار صحية واقتصادية واجتماعية ونفسية.
وإجابة عن تساؤله قلت له بداية يجب أن نضع هذه الضريبة في إطارها الحقيقي لنبني مواقِفنا بالموافقة والدعم لإقرارها وتطبيقها أو بالرفض والمعارضة، بمعنى هل هي ضريبة تستهدف في محصلتها زيادة الإيرادات الحكومية من جيب المواطن، أم أنها ضريبة تستهدف تخفيف الأعباء على جيب المواطن بالتزامن مع تخفيف الأعباء على الدولة؟
ولكي نعرف ما إذا كانت ستزيد الأعباء على جيب المواطن أو تخفف منها، علينا أن نعرف لماذا فرضت هذه الضريبة؟ وعلى من؟ وما النتائج المتوخاة من فرضها؟ وذلك في إطار مفهوم الرأسمالية المتوحشة التي تستهدف كسب المال وإن كان من خلال منتجات مضرة بصحة الفرد ويتم التسويق على أنها منتجات مفيدة وذات آثار إيجابية في حياة الفرد ونشاطه ومزاجه العام، وبمعنى آخر ترويج الضرر بصورة جذابة وكاذبة ومخادعة بإظهار السلعة بما ليست عليه في الواقع، أو إظهار النفع وإخفاء الضرر رغم أن ضررها أكثر من نفعها، واستخدام المشاهير ونجوم المجتمع للتغرير بالمستهلكين.
كثير منا يستغرب عدم قدرة أو عدم توجه الدول لمنع السلع الضارة كمنتجات التبغ، ومشروبات الطاقة، والمشروبات الغازية، والمشروبات التي تحتوي على كميات كبيرة من السكر الضار رغم أن الدراسات العلمية والاستقرائية أثبتت أضرارها على الصحة وجودة الحياة، حيث ترفع من معدلات الإصابة بالسمنة وتداعياتها الصحية، وأمراض السكر والضغط، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والإصابة بالجلطات الدماغية والفشل الكلوي إلى غير ذلك من الأمراض الخطيرة التي تكلف الفرد أموالا طائلة وتكلف الدولة مليارات الريالات سنويا لمعالجتها إضافة إلى ما يعانيه المرضى من آلام ومشكلات نفسية واجتماعية واقتصادية نتيجة الإصابة بها.
الإجابة معروفة، فالمنع غير ممكن لأسباب كثيرة منها احتمالية نشوء تجارة محرمة لهذه المنتجات ما يجعل الناس أكثر إقبالا عليها حيث إن كل ممنوع مرغوب. ومنها ــ وهو الأهم ـــ قوة الشركات العابرة للقارات المنتجة لهذه السلع ذات الطابع الإدماني في غالبها التي استطاعت من خلال نفاذها للمنظمات الدولية المعنية بالتجارة الدولية، وإنفاق المليارات لحماية مصالحها من خلال الإعلام ومجاميع الضغط، أن تمنع صدور قوانين المنع للمنتجات الضارة بمبررات كثيرة إضافة إلى تدخلها فيما يمكن أن يكتب على علب هذه المنتجات من رسائل تحذيرية. بل إن الأمر أسوأ من ذلك حيث تنفق هذه الشركات المليارات لرعاية الأنشطة الرياضية لتؤكد أن هذه المنتجات تحقق عكس حقيقتها ولنا في ترويج المشروبات الغازية مثال واضح من قبل نجوم كرة القدم الأقوياء الأشداء رغم أنها تسبب هشاشة العظام ولا ينصح الرياضيون بشربها والإكثار منها.
وإذا كانت هذه المنتجات الضارة بالحالة الصحية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية لا يمكن منعها فبكل تأكيد لا يمكن أن تترك الدولة مواطنيها عرضة لمخاطرها دون أن تتخذ خطوات مهمة ومؤثرة في هذا الاتجاه من خلال التوعية ومن خلال البرامج العلاجية كما تقوم به وزارة الصحة حاليا حيال منتجات التبغ، ومشروبات الطاقة، والمشروبات الغازية، والمنتجات التي تحتوي على كميات كبيرة من السكر، ويمكن لأي متابع للإعلام التقليدي والرقمي أن يلاحظ كثافة هذه الحملات وتفاعل المتابعين معها، ومنها حملة "وقفه عند حده" التي تنفذها وزارة الصحة حاليا للتوعية بمخاطر السكر ومرض السكر وتداعياته على بقية أعضاء وأجهزة الجسم.
وبطبيعة الحال فإن مساري التوعية والعلاج لا يكفيان ما لم يتم تعزيزهما من خلال مسار آخر كما فعلت الدول كافة، وطالبت به المنظمات والجمعيات التي تكافح المنتجات الضارة، وهو رفع تكلفة هذه المنتجات من خلال زيادة الضريبة الجمركية على المستورد منها، ومن خلال فرض ضريبة السلع الانتقائية على المستورد والمنتج محليا منها التي تراوح بين 50 ـــ 100 في المائة من قيمة بيعها في منافذ بيع التجزئة لكي يتجنب استهلاكها عموما الأفراد من الطبقة المتوسطة وما دونها على وجه الخصوص لأسباب اقتصادية وهم من يشكلون أغلبية السكان، وهو ما فعله كثير من الدول ولاحظت انخفاضا في معدلات استهلاكها نتيجة لذلك.
إذن نحن أمام ضريبة تحقق عدة أهداف ويجب وضعها في إطارها الصحيح المتمثل في حماية جيب المواطن وموازنة الدولة معا من الرأسمالية المتوحشة المتمثلة في الشركات الكبرى العابرة للقارات التي تنتج سلعا تحتوي على مواد منبهة وأخرى ذات أثر نفسي محدود يدمن عليها من يستهلكها ويصعب عليه التخلص من استهلاكها إلا بمساعدة طبية وبرامج علاج مرحلية تكلفه وتكلف الدولة الكثير من المال، وبالتالي علينا تقبلها والموافقة عليها ودعم أصحاب القرار لسرعة تطبيقها وبحزم ودون تهاون للحد من استهلاكها لحماية أفراد المجتمع من أضرارها الصحية والاقتصادية.
نعم علينا أن نتقبلها وندعم تطبيقها لكي يتحمل من لا تهمه صحته وبيئته ومن حوله تكاليف علاجه وتكاليف علاج الآخرين المتضررين منها بسببه، إضافة إلى أهميتها في حماية أبنائنا من المنتجات الضارة والحد من استهلاكها وتوجيه أموال المواطنين للسلع الأساسية والحيوية.
ختاما أتطلع لسرعة تطبيق ضريبة السلع الانتقائية بالتزامن مع منع الإعلان عن هذه المنتجات والترويج لها، ومنع الترويج لمشروبات الطاقة، ومنع بيعها في المرافق العامة، وتكثيف حملات التوعية بمخاطرها وكيفية تجنب الوقوع فيها والتخلص من إدمانها، وكلنا ثقة بحكومتنا الرشيدة للقيام بذلك حماية لأفراد المجتمع وللاقتصاد.