الطاقة المتجددة والنووية .. وتأثيرهما في المناخ
يعد التغير المناخي أكبر التحديات البيئية في عصرنا. ولا يزال كثير من العلماء في جميع أنحاء العالم يتشككون في أن الطاقة النووية هي الحل أو حتى جزء من الحل لمشكلة تغير المناخ. وقد أبلى الباحثون بلاء حسنا في تحديد الأسباب والعواقب المترتبة على تغير المناخ، ولكن الحل الذي يقترحونه بكل بساطة لا معنى له. وتتمثل المشكلة الرئيسة - على عكس ما يعتقد كثيرون – في أن الطاقة النووية ليست سوى وسيلة سيئة للحد من انبعاثات الكربون؛ حيث إن خام اليورانيوم والوقود اللازمين لإنتاج الطاقة النووية يخلفان آثارا كربونية ثقيلة. وفي الواقع فإن الطاقة النووية هي الأغلى على الإطلاق وبفارق كبير بين كل طرق الحد من انبعاثات الكربون من حيث تكلفة كل طن يتم توفيره من الكربون.
تنفق صناعة الطاقة النووية وحلفاؤها عشرات الملايين من الدولارات سنويا للترويج للطاقة الذرية كمصدر للطاقة "الخالية من الانبعاثات". والهدف من وراء ذلك هو التشجيع على بناء مفاعلات نووية جديدة في جميع أنحاء العالم ومنع إغلاق المفاعلات القديمة الخطيرة التي لا يمكنها أن تتنافس اقتصاديا مع مصادر الطاقة النظيفة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وقد أصبحت الآن مصادر الطاقة المتجددة - خاصة طاقة الرياح والطاقة الشمسية - أقل تكلفة وأسرع في التركيب وأكثر أمنا؛ حيث لا يوجد داع للقلق من احتمالات ظهور أشباح تشيرنوبيل وفوكوشيما.
وليست الطاقة النووية غير فعالة في التصدي لتغير المناخ فحسب، فعندما يتم فحص سلسلة الوقود بالكامل يتضح أن الطاقة النووية منتج مباشر للغازات المسببة للاحتباس الحراري. إن إضافة القدر الكافي من الطاقة النووية لإحداث خفض ملموس في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري سيكلف تريليونات الدولارات، ويصنع عشرات الآلاف من الأطنان من أخطر النفايات المشعة القاتلة، ويسهم في زيادة انتشار المواد المستخدمة في تصنيع الأسلحة النووية، ويتسبب في حادثة بحجم كارثة تشيرنوبيل أو فوكوشيما كل عشر سنوات أو نحو ذلك، وأيضا - وربما الأهم - يبدد الموارد اللازمة لتنفيذ السياسات التي من شأنها فعلا أن تغير المناخ. ومع ذلك فمن المهم أن يتم التعرف على المساهمات التي يمكن أن تقدمها العلوم والتقنيات النووية لمكافحة تغير المناخ.
وفي حين أن مصادر الطاقة المتجددة منخفضة الكربون مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية وطاقة الكتلة الحيوية هي مصادر مهمة للغاية، إلا أنها ببساطة لا يمكن تطويرها بالسرعة الكافية ولا بالحجم اللازم لمكافحة أزمة المناخ المتراكمة بشكل حقيقي. ويرى عديد من المختصين في بعض الأوساط العلمية والسياسية أنه لا يمكن تحقيق هذا الانخفاض السريع في انبعاثات الكربون العالمية واللازم للوصول إلى الاستقرار في ظاهرة الاحتباس الحراري دون التوسع في استخدام الطاقة النووية. كان هذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه مجموعة من علماء المناخ الأبرز في العالم، الذين حرروا رسالة مفتوحة إلى الجماعات المدافعة عن البيئة في عام 2013 يطلبون منهم التخلي عن معارضتهم المتواصلة للطاقة النووية من أجل مصلحة كوكب الأرض.
ولا يزال السؤال عن كون هذه الأخبار سارة أم سيئة للمناخ مفتوحا لكل الإجابات. حيث يرى بعض النقاد أن الاعتماد على الطاقة النووية مخاطرة كبيرة جدا، وأنها من الناحية العملية مكلفة للغاية حين يراد جعلها جزءا معتبرا من ملف الطاقة في مرحلة ما بعد الكربون. ويتساءل آخرون لماذا تعد التكلفة عائقا لبعض التقنيات دون غيرها؟
وعلى الرغم من أن الفترة حتى عام 2030 قد تبدو مهلة قصيرة للانتقال بشكل كامل للطاقة الشمسية، فقد أصبحت تقنيات الطاقة الخضراء أبسط بكثير وأسرع في التركيب من منافسيها خاصة المفاعلات الذرية. كما أنها أرخص بكثير، ويتوافر لدينا رأس المال الكافي لتنفيذها.
وقد دأبت صناعة الوقود الأحفوري منذ فترة طويلة على السخرية من فكرة مسؤولية الانبعاثات عن اضطرابات الطقس على كوكب الأرض. بل رفضت شركات النفط والمدافعون عن المفاعلات النووية الاعتراف بقدرة مصادر الطاقة المتجددة على تلبية الاحتياجات البشرية من الطاقة.