رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الحد من الاستقدام بتراخيص مزاولة المهنة

تخيل الإعلان التالي من وزارة العمل:
إيقاف الترخيص لأي وافد جديد بممارسة المهن التالية... ابتداء من تاريخ كذا، إلا لأصحاب كفاءات متميزة تثبتها شهادات وخبرات واختبارات خاصة حددتها الوزارة، علما بأن من يمارس دون ترخيص يعاقب هو ومن شغله.
نقرأ بين حين وآخر عن مواطنين حملة شهادات جامعية أو مهنية يبحثون عن عمل ولا يجدونه. وقالت هيئة الإحصاء إنه تم توليد مئات الآلاف من الوظائف خلال الشهور الماضية راح منها 97 في المائة لغير السعوديين. ومن وجهة نظري أن أنظمة الإقامة والاستقدام القائمة في جوهرها على ما يعرف شعبيا بالكفالة هي المسؤول الأول عن مشكلة السعودة والتوطين والبطالة. وفرض اختبارات وتراخيص يحدان من المشكلة.
من أهم وسائلنا لخفض اعتمادنا على الاستقدام وزيادة فرص توفير عمل للمواطنين فرض الحصول على تراخيص لممارسة المهن، بعد اجتياز اختبارات مهنية. طبعا لهذه الاختبارات والتراخيص فائدة أخرى وهي رفع المستوى المهني في البلاد، الذي هو متدن نسبيا. هذا الرفع مطلوب بقوة للمساهمة في تحقيق رؤية اقتصاد مزدهر أقل اعتمادا على النفط.
في مجالسنا يكثر التندر حول رداءة مهارات وقدرات غالبية المهنيين. ونسمع بكثرة عبارات مثل "المملكة حقل التجارب للعمالة". فكم نشتكي من سرعة تلف ممتلكاتنا من بيوت وسيارات وأجهزة، ونرجع إلى أن أحد أهم أسباب سرعة التلف أو قصر عمر ممتلكاتنا نرجعه إلى ضعف واضح في مهارة نسبة كبيرة إن لم تكن غالبية اليد العاملة التي نعتمد عليها في الإنشاء أو الصيانة. طبعا معروف أنها كلها تقريبا يد مستوردة.
هل هناك علاقة بين تلك الرداءة والنمو الاقتصادي الذي يعد أشهر مقياس للتعرف على تحسن مستوى الدخل والمعيشة؟ بالتأكيد هناك صلة وعلاقة قوية. ودون دخول في نقاش طويل، كلنا نعرف أن اليد العاملة هي أحد عناصر الإنتاج، وكلما تحسنت عناصر الإنتاج انعكس ذلك على زيادة الإنتاج، وزيادة الإنتاج تعني زيادة تحقيق نمو اقتصادي. أي أن ارتفاع قدرات ومهارات اليد العاملة يسهم في ازدهار الاقتصاد وزيادة النمو الاقتصادي. باختصار هناك علاقة طردية بين المهارات والنمو، إلا أنه يجب أن يفهم أن هذا لا يلغي تأثير عوامل أخرى على النمو.
يمكننا وصف أغالبية - أو هكذا يبدو لي ذلك- اليد العاملة في المنشآت الكبيرة وفي القطاع الصحي يمكن وصفها بأنها عمالة ماهرة، ولكنها ليست كذلك في غالبية المنشآت الأخرى والمحال التي تنتشر في شوارعنا، وفي أكثر المهن.
السؤال الجوهري هنا هو لماذا لا تفرض اختبارات ترخيص قوية لمزاولة المهنة لليد العاملة خاصة المستقدمة في كل المهن أسوة بالمهن الصحية؟ تطبيق هذه السياسة سيصيب عصفورين بحجر واحد: الحد من الاستقدام وتحسين مهارة وجودة العمل. هناك هيئة للتخصصات الصحية، ومن مسؤولياتها الأولى الترخيص لأصحاب التخصصات الصحية بعد التأكد من أهليتهم لممارسة مهنتهم. لماذا لا يطبق الشيء نفسه على أصحاب المهن المختلفة العالية وغير العالية المهارة؟ أي سواء المهن التي تتطلب شهادات جامعية فأعلى أو المهن التي يكفيها مستويات أدنى من التعليم و/أو الخبرة؟ لماذا لا تكون هناك معايير انتقائية تعمل على رفع مستوى العمالة المستقدمة إلينا، وعلى حصولنا على عمالة عالية المهارة؟
هناك حاجة إلى إنشاء أو سرعة تفعيل إدارات للترخيص المهني في مكاتب العمل موزعة على عدة أقسام أو إدارات فرعية حسب مجاميع مهنية يجري تصنيفها. وهناك حاجة إلى إنشاء جمعيات عمل مهنية في مختلف المهن، ويتبع ذلك توليد تعاون بين إدارات الترخيص المهني والجمعيات المهنية في اختبار وترخيص وتنظيم وسن القوانين المنظمة لممارسة المهنة، وطبعا لا يمنح الترخيص إلا بعد اجتياز الاختبار.
وهنا أذكر مثالا خارجيا من أمريكا عن مهنة الحلاقة: ينشأ عادة في كل ولاية أمريكية مجلس أو لجنة أو هيئة للحلاقين، وهذا المجلس يتولى اختبار وترخيص وتنظيم كل من يعمل في مهنة الحلاقة في الولاية. ويقوم هذا المجلس بالتعاون مع سلطات الولاية المختصة بتفتيش مدارس ومحال الحلاقة.
فرض الاختبارات والتراخيص يعطي الحكومة قدرة أكثر على إضعاف الطلب على الاستقدام.
طبعا ما قلته باختصار، وإلا فإنه لا بد من جودة ووضوح القوانين والتعليمات، والتدرج في التطبيق والشرح للناس. وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي