تقرير مؤسسة النقد .. وشائعة إفلاس الدولة
يعد التقرير السنوي 52 الذي أصدرته مؤسسة النقد العربي السعودي في الأسبوع الماضي بمنزلة وثيقة رسمية تحدد المحطات المهمة في مسيرة الاقتصاد الوطني، وهو تقرير موثق عن الحالة التي سيبنى عليها مستقبل اقتصاد المملكة.
ويبدو أن أهمية هذا التقرير تكمن في أنه صدر وسط شائعات تقول إن المملكة العربية السعودية تتجه نحو الإفلاس في غضون ثلاث سنوات، وحدد أصحاب هذا الرأي المتعجل عام 2018 بأنه العام الذي سوف يعلن فيه إفلاس المملكة.
ونحن من جهتنا نقول، إن من يقول بهذا الكلام يحتاج إلى إعادة قراءة أرقام الاقتصاد السعودي بموضوعية أكثر حتى تكون أحكامه مقبولة علميا دون أن يطلق آرءه بشيء كثير من المبالغات والاعتماد على مخرجات المنظمات المشبوهة.
ونؤكد بالأرقام بأن عمليات بناء الاقتصاد السعودي في السنوات الخمس الماضية كانت من أنجح العمليات، بحيث وصلت احتياطياتها إلى أعلى مستوى ممكن، كما أن الدين العام قد بلغ الأدنى على مستوى العالم، كذلك بالنسبة لمعدلات البطالة التي هبطت إلى مستويات لافتة.
وببساطة إذا كنا نرمي الاقتصاد السعودي "الكبير" بأنه على وشك الإفلاس، فماذا نقول عن الاقتصاد المصري والاقتصاد اليوناني الذي يقول عنه مسؤولوه بأنهما أبعد ما يكونان من الإفلاس، ويهزأون من التخمينات التي تقول إن اقتصاديهما على وشك الإفلاس.
نعرف جميعا أن الجنيه المصري يطير في الهواء، والناس في اليونان يتقاطرون أمام المصارف بحثا عن مدخراتهم النقدية، أما قضايا البطالة والدين العام والاحتياطيات، فإنها في أدنى مستوياتها.
ولا أود أن أعود مرة أخرى واستعرض المؤشرات الاقتصادية التي تسبق عمليات الدخول في نفق الإفلاس، ومن أهمها ــ كما أشرنا ــ انخفاض العملة الوطنية في أسواق الصرف، وارتفاع الأسعار في الأسواق المحلية، وارتفاع ملحوظ في معدلات الدين العام، وانهيار الاحتياطيات، وانتشار البطالة، وإفلاس المصارف الوطنية، ووقوف الناس في طوابير لاستعادة أرصدتهم النقدية ...
كل هذه الظواهر الاقتصادية غير موجودة في الاقتصاد السعودي، ولن تكون موجودة في الأمد المنظور، لأن الاقتصاد السعودي اقتصاد ضخم وأصوله ضخمة، ولديه من الإمكانات ما يبعد عنه شبح الإفلاس عاجلا أو آجلا.
وأزعم أن قراءة تقرير مؤسسة النقد العربي السعودي المومأ إليه جاء في الوقت المناسب كي نسلط الضوء من خلال أرقام رسمية تصدر من البنك المركزي السعودي عن الحالة الاقتصادية وعلى مستقبل الاقتصاد الوطني.
فقد اشتمل التقرير على التطورات النقدية والمصرفية، وميزان المدفوعات، وآخر تطورات القطاع الخارجي والمالية العامة والقطاعات النفطية، وغير النفطية، بما في ذلك تطورات أنشطة التأمين والتمويل والسوق المالية، إضافة إلى سلسلة زمنية من إحصاءات المالية العامة، والنفط، والإحصاءات النقدية، والمصرفية، وإحصاءات القطاع الحقيقي.
وبمتابعتنا لهذا التقرير فقد قال أحمد الخليفي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، في كلمة ألقاها أمام الملك، واصل الاقتصاد الوطني نموه الإيجابي في عام 2015م، حيث زاد وفقا لبيانات الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3.5 في المائة، إلا أن النمو الاقتصادي تأثر بوضع السوق النفطية وتطورات الاقتصاد العالمي وبالجو العام في المنطقة؛ لذا نما اقتصاد المملكة في النصف الأول من هذا العام بنسبة 1.5 في المائة مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق.
وأوضح الخليفي، أنه - حسب آخر البيانات الصادرة من الهيئة العامة للإحصاء - قد انخفض التضخم في شهر أيلول (سبتمبر) من هذا العام ليبلغ 3 في المائة مقارنة بنسبة بلغت 4.3 في المائة بداية عام 2016 لافتا النظر إلى استمرار مساهمة القطاع النقدي والمصرفي في الحركة الاقتصادية من خلال توفير السيولة الملائمة لتمويل الأنشطة في الاقتصاد. كما واصلت المصارف تقديم خدمات مصرفية ومالية حديثة وشاملة في مدن ومناطق المملكة المختلفة.
وأشار الخليفي إلى أن المستقبل المشرق الذي ستصل إليه المملكة - بإذن الله - من خلال مسارها التنموي الجديد الذي حددت أهدافه "رؤية 2030" وبرنامج التحول الوطني، سيكون له الأثر الاقتصادي الملموس من خلال تنويع الاقتصاد الوطني، ورفع قيمة أصول صندوق الاستثمارات العامة، وزيادة مساهمة القطاع الخاص، وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وخفض معدل البطالة، ورفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وكذلك رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل، وتعزيز الكفاءة والتوازن في الإنفاق العام من خلال زيادة الإيرادات غير النفطية.
وتعهد الخليفي بأن مؤسسة النقد العربي السعودي تعمل على توظيف إمكاناتها لتكون رافدا مهما لتحقيق "رؤية المملكة 2030"، من خلال تعزيز الاستقرار المالي والنقدي والتكامل بين محاوره الرئيسة المتمثلة في مؤسسات مالية ناجحة، ونظم مدفوعات مالية متطورة، ونظام معلومات ائتماني سليم يوفر المعلومات الموثوقة التي تساعد على اتخاذ القرارات التمويلية الصحيحة.
كما أن الخليفي أكد أن عوائد استثمارات احتياطيات المملكة في الخارج التي تديرها المؤسسة شبيهة بنظيراتها في البنوك المركزية العالمية، موضحا أن المملكة ليس لديها أي قلق على استثماراتها في الولايات المتحدة الأمريكية بعد قانون جاستا.
ولا يغرب عن البال أن هناك كثيرا من الباحثين في الشأن الاقتصادي ــ لحاجة في نفوسهم ــ يشككون في التقارير والأرقام التي تصدر عن مؤسسة النقد، وبعيدا عن نظرية المؤامرة، لا أتصور أن مؤسسة اقتصادية بمستوى البنك المركزي السعودي تلجأ إلى استخدام الفبركة في البيانات والأرقام التي تتعامل معها محليا ودوليا، لسبب بسيط وهو أن مؤسسة النقد مؤسسة حكومية لها مكانتها في سوق المال العالمي، ولن تجازف باسمها وتلجأ إلى استخدام الأرقام الوهمية أو البيانات المفبركة!!