رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


ماذا لو لم يكن لأمريكا نصيب من «الصخري»؟

... لظل الصخري كما كان قبل بدء ظهوره إلى حيز الوجود، غير معروف لدى المجتمع الدولي لسنوات طويلة وحتى يصبح إنتاجه مجديا اقتصاديا. وهو ما سوف نأتي عليه بالتفصيل في هذا المقال والمقال القادم. فالحديث هنا لتوضيح طبيعة إنتاج البترول الصخري ومستقبله على المستوى العالمي، بعيدا عما تشيع عنه وسائل الإعلام، خاصة منها الأمريكية. وكما هو واضح من العنوان، تصوروا لو كانت أمريكا خالية تماما من البترول الصخري، مع وجوده في أماكن من العالم خارج أمريكا، أستراليا، روسيا، الصين، الأرجنتين، وأماكن أخرى؟ لو كان الأمر كما افترضنا، لما سمعنا عن الصخري إلا بعد سنوات، عندما يصل سعر برميل البترول إلى أكثر من مائة وعشرين دولارا. وهذا هو الحد الأدنى لتكلفة إنتاج الصخري خارج أمريكا الشمالية. أما وقد بدأ إنتاج الصخري في أمريكا ونجح نجاحا باهرا، فإليكم الأسباب الحقيقية، آملا بأن يدرك المرء ما سوف نقوله وما كانت تردده وسائل الإعلام، ويحكم بنفسه على مستقبل إنتاج الصخري. ولكن الشاهد هو أن إنتاج الصخري الأمريكي وصل خلال بضع سنوات إلى أربعة ملايين برميل، بفضل جهود لا تتوافر لغير أمريكا. فكان مثار دهشة واستغراب من المحللين والمراقبين. ولا غرابة في ذلك إذا علمنا أن المنتجين الأمريكان استخدموا أكثر من ألف وخمسمائة جهاز حفر، مع عدد كبير من المعدات والقوى البشرية المدربة، وصرفوا مئات المليارات في سبيل ربح بسيط، تحول معظمه إلى خسارة.
وما يطلق عليه "مجازيا" البترول الصخري. هو ليس صخريا بالمعني الذي تعنيه هذه الكلمة، وإنما هو سائل بترولي عادي لا يختلف عن بترولنا. فكلاهما يوجدان داخل مسام الصخور الرسوبية على عمق متقارِب. والفارق الوحيد بين البترول الصخري والتقليدي هو أن مسام صخور بترولنا متصلة مع بعضها بواسطة منافذ تسمح لجريان البترول باتجاه البئر. أما الصخور الحاملة للصخري فهي تكاد تكون صماء تماما أو ذات مسام مقفلة، ليس بينها مع بعضها تواصل. وتشبه إلى حد ما لو كان لدينا غرف متجاورة كل منها محاط بجدار ليس له أبواب أو نوافذ. ولذلك نجد أن إنتاج الصخري يحتاج إلى طريقة خاصة تسمى "عملية التكسير الهيدروليكي". تتضمن ضخ ما يزيد على خمسة ملايين جالون ماء في البئر الواحدة مع كمية من الرمل والمواد الكيماوية الغرض منها تحسين أداء العملية. وهذا يستدعي وجود مصادر مياه كافية في منطقة الإنتاج. وهو لا يتوافر دائما، وخصوصا في المناطق الصحراوية. والهدف من عملية التكسير هو إحداث شقوق في الصخور الحاملة للصخري لتسمح بانتقال السائل البترولي أو الغاز من داخل المسام إلى البئر.
ولذلك فإن تكلفة إنتاج الصخري تزيد على خمسة أضعاف تكلفة التقليدي من جنس بترولنا. وبطبيعة الحال فإن التكلفة قابلة للانخفاض قليلا مع مرور الوقت واكتساب مزيد من الخبرة، ولكن ليس بنسبة كبيرة كما يتوقع البعض. والسبب أن العلة في التكوين الجيولوجي للصخري الذي لا نستطيع تغييره. وقد استطاعت أمريكا إنتاج الصخري عند معدل تكلفة تراوح بين 50 إلى 80 دولارا للبرميل، وذلك عندما بلغ سعر البرميل ما يناهز مائة دولار. وتعد أمريكا حالة خاصة لعدة أسباب معروفة لا نجدها في بقية الدول التي لديها بترول صخري. ومنها، أن الحفر في أمريكا أكثر سهولة من الحفر في معظم الدول الأخرى بسبب الممارسة الطويلة واعتدال عمق الآبار، مقارنة بأماكن خارجها. وأمريكا معروفة بتوافر الألوف من أجهزة الحفر ومعدات الضخ ووسائل النقل الثقيل الجاهزة للعمل وقت الطلب وبأسعار منافسة. إضافة إلى عدد هائل من القوى البشرية المدربة. هذه العوامل لا تتوافر في أي بلد آخر، ما أتاح لشركات الإنتاج ميزة خاصة مكنتها من خوض غمار إنتاج الصخري بتكلفة كانت اقتصادية عندما كان سعر البرميل مرتفعا. وعندما بدأ السعر في الانخفاض قبل سنتين خرجت كثير من شركات الإنتاج، وبعضها تكبد خسائر مالية كبيرة من هول النزول المفاجئ للأسعار. فقد انخفض عدد أجهزة الحفر العاملة خلال أشهر من أكثر من ألف وخمسمائة حفار إلى ما يقارب الأربعمائة. وتحول الإنتاج إلى المناطق المعروفة بالإنتاج الغزير نسبيا. ومع تعطيل العدد الكبير من المعدات والقوى البشرية انخفضت الإيجارات وتكلفة العمالة بنسبة كبيرة وأصبح إنتاج الصخري تحت تلك الظروف اقتصاديا، أو على الأقل أقل خسارة. وظن الكثيرون، المتأثرون بما كانت تبثه وسائل الإعلام، أن نوعا من التقدم التكنولوجي قد لعب دورا متميزا في خفض التكلفة. وهذا غير دقيق، إذ هي الظروف التي ذكرناها، وهي عوامل مؤقتة قد ساعدت على ذلك. ما يعني أنه بمجرد عودة نشاط الحفر إلى سابق عهده، سوف ترتفع التكلفة تبعا لذلك ونظرا لطبيعة تكوين البترول الصخري. هناك دون شك فرص لحدوث تحسينات مستمرة لعمليات الحفر والتكسير الهيدروليكي، كما يحدث في عمليات الحفر والإنتاج في أماكن أخرى من العالم. الذين يعولون على إمكانية تخفيض تكلفة عمليات إنتاج البترول والغاز الصخري إلى مستوى تكلفة البترول التقليدي، في حدود عشرين إلى ثلاثين دولارا للبرميل، ينقصهم كثير من المعلومات وفهم طبيعة الصخري. ونؤكد لهم بأن العكس هو الأقرب للحدوث، أي ارتفاع التكلفة مع اقتراب نضوب حقول الصخري.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي