رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تطور احتياطيات الدولة

تودع الدولة أموالها لدى مؤسسة النقد العربي السعودي في ثلاثة أنواع من الإيداعات، يخصص الأول منها للمشاريع والثاني للاحتياطي العام، والثالث لإيداعات الصرف الجاري على شؤون الدولة المختلفة. ويعتبر مجموع هذه الإيداعات الثلاثة احتياطيات وأرصدة للدولة، لهذا من الخطأ اقتصار احتياطيات الدولة على ما هو موصوف في البيانات كاحتياطي عام للدولة. وتحول الدولة الفوائض المالية -عند حدوثها- إلى المؤسسة التي تقوم باستثمارها في أصول سائلة، والسحب منها عند حدوث عجز في الميزانية.
تراكمت في السبعينيات وبداية الثمانينيات احتياطيات ضخمة بمعايير تلك الفترة، ولكن فترة هبوط أسعار النفط السابقة التي بدأت في منتصف ثمانينيات القرن الماضي وانتهت عام 1999 أدت إلى استنفاد تلك الاحتياطيات حتى وصلت إلى نحو 4.6 مليار ريال عند نهاية عام 1999. بعد ذلك قاد تحسن أسعار إيرادات النفط منذ منتصف عام 2004 إلى رفع إجمالي إيداعات الدولة حتى سجلت مستواها القياسي 1543 مليار ريال تقريباً في شهر أكتوبر 2013. كان عام 2009 الاستثناء الوحيد في فترة تراكم الإيداعات 2004-2013، وذلك بسبب الأزمة المالية العالمية وهبوط أسعار النفط الحاد والمفاجئ في نهاية 2008 وبداية 2009، ولكن عاودت أسعار النفط الارتفاع بسرعة وهو ما ساعد على رفع احتياطيات الدولة في السنوات التالية.
بدأت رحلة تراجع إجمالي إيداعات الدولة الحالية بعد بلوغها قمتها في شهر أكتوبر 2013، حيث انخفضت في الشهرين التاليين بنحو 34 مليار ريال. واصلت الإيداعات تراجعها في 2014 حين تم سحب نحو 96 مليار ريال، وذلك لتسديد العجز الناتج عن تضخم الإنفاق الحكومي في 2014 إلى مستويات قياسية، كما تم تسديد جزء من الدين العام. إثر ذلك قاد التراجع الحاد في الإيرادات النفطية في 2015 إلى تفاقم العجز المالي الحكومي الأمر الذي تسبب في انخفاض كبير في إجمالي إيداعات الدولة بنحو 363 مليار ريال أو ما يقارب 30 مليار ريال شهرياً. استمر تراجع الإيرادات النفطية الحكومية إلى مستويات متدنية في عام 2016، ومع ذلك خفت معدلات تراجع إجمالي الإيداعات الحكومية في الأشهر التسعة الأولى من عام 2016 إلى 11.7 مليار ريال شهرياً. وجاء انخفاض معدلات سحب الإيداعات نتيجةٍ لتراجع مستويات الإنفاق الحكومي وكذلك للاعتماد المتزايد على الاقتراض من السوق المحلية والسوق العالمية، حيث زادت محفظة المصارف من السندات الحكومية (إقراض الحكومة) بنحو 87 مليار ريال في الأشهر التسعة الأولى من عام 2016، وهو أعلى بأكثر من إجمالي إقراض المصارف للحكومة في كامل عام 2015 البالغ 33 مليار ريال، كما اقترضت الدولة 37.5 مليار ريال، بالدولار الأمريكي من الأسواق العالمية في بداية العام.
بلغ إجمالي التراجع في مجموع إيداعات الدولة في 35 شهرا المنتهية بسبتمبر 2016 (ثلاث سنوات تقريباً) نحو 598 مليار ريال. ولكن التغير في إجمالي الإيداعات لا يعطي صورة متكاملة عن مركز الدولة المالي، حيث ينبغي خصم الديون للخروج بمركزها المالي الصافي. ونظراً لعدم توافر بيانات شهرية عن مديونية الدولة فإن البيانات السنوية تشير إلى أن إيداعات الدولة بعد خصم الدين منها وصلت قمتها عند نهاية عام 2013 حينما كانت بحدود 1448 مليار ريال، ثم تراجعت في العامين التاليين لتصل إلى نحو 908 مليارات ريال عند نهاية 2015، ويقدر انخفاضها إلى أقل من 700 مليار ريال عند نهاية شهر سبتمبر 2016، وذلك بسبب التراجع الحاد في أسعار النفط. ومن المستشرف استمرار تراجع صافي المركز المالي إلى أقل من 600 مليار ريال عند نهاية العام. ويعود هذا بشكل واضح إلى تراجع الإيرادات النفطية لعامي 2015 و2016 عن مستوياتها في عام واحد هو عام 2014.
ويبدو أن هناك محاولة جادة للحد من تراجع صافي المركز المالي للدولة من خلال خفض الإنفاق الحكومي خلال عامي 2015، 2016 تحت مستويات 2014، ولكن بوتيرة تقل كثيراً عن تراجع الإيرادات النفطية الحاد. ويصعب خفض الإنفاق بوتيرة مماثلة لتراجع الإيرادات خوفاً من إحداث شلل اقتصادي لكثير من القطاعات. من جهةٍ أخرى فإن زيادة الإنفاق فوق المستويات الحالية سيسرع كثيراً من نضوب احتياطيات الدولة وصافي الأصول الأجنبية للبلد ككل. ولهذا يتحمل صانع القرار مسؤولية الاختيار والموازنة الدقيقة بين خفض مستويات الإنفاق والحفاظ على احتياطيات الدولة ومركزها المالي والمخاطرة بتراجع النمو الاقتصادي، وبين زيادة الإنفاق لتحفيز النمو والمخاطرة بتراجع احتياطيات الدولة ومركزها المالي. وللحد من آثار خفض إنفاق الدولة في النمو لا بد من خفض الإنفاق الخارجي قدر المستطاع والتركيز على الإنفاق الداخلي الأكثر تأثيراً في الاقتصاد المحلي. وعموماً فقد حدث تراجع كبير في مركز الدولة المالي إلا أنها ما زالت مقرضا صافيا للعالم، وهي في وضع أفضل بكثير من معظم دول العالم بما في ذلك الدول المتقدمة التي تسجل مراكز مالية سلبية بسبب ضخامة أحجام ديونها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي