رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


رؤية تحليلية للاقتصادين الأمريكي والعالمي

هذا المقال يعد استكمالا لمقال سابق عن مشكلة الدولار الأمريكي ووضع الميزانية الأمريكية المزري جدا والحلول التي تكاد تكون معدومة، فزيادة الضرائب تنهك الاقتصاد ولهذا يرفضها الجمهوريون وبسبب ذلك اندلعت مشكلة ضخمة بين أوباما والجمهوريين المسيطرين على الكونجرس، عندما رفضوا ميزانيته التي ارتكزت إلى زيادة الضرائب قبل أعوام وهددهم بميزانية حافة الهاوية واستقطاعات ضخمة من جميع الوزارات وانتصر الجمهوريون، وتفاقم العجز. بعد الأزمة المالية عام 2008 أصبح العالم يدرك تماما أن الدولار عملة من خشب، ومنذ ذلك الحين أصبح عبئا على العالم كعملة تبادل، لكن بريقه بقي كعملة احتياط آمنة دوليا تدر الفوائد، لكن هذا الأمان كان ينبع في وقت ما من حجم الذهب لدى الولايات المتحدة الأمريكية ثم تحول إلى الاعتماد على حجم الاقتصاد كل هذا تغير الآن. فالعالم أصبح مؤمنا بأنه أغنى بالموارد من الولايات المتحدة وبالعقول أيضا وأنه لم يعد بحاجة إليها لقد شب العالم عن طوق الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبحت أمريكا التي كانت تقود العالم في كل شيء تقريبا هي خامس دولة في براءة الاختراع، فهناك العمالقة في شرق آسيا يحتلون المراتب الأولى والنمو الإفريقي يسعى ليجد مكانا له وهو قادم بقوة. فالبريق الباقي للدولار اليوم يأتي فقط من المطابع الأمريكية التي تطبعه في أي وقت والعالم يقبله على مضض، لكن إذا استمر الحال على هذا المنوال -اقتصاد ينفق كثيرا ويقترض كثيرا- فإن العالم يستثمر في دولار بلا قيمة حقيقية وسيتحتم على الولايات المتحدة أن تدفع فوائد أكثر للعالم، وإذا دفعت أكثر طبعت أكثر وهبط الدولار أكثر وارتفعت الأسعار وزادت الديون وهكذا في دوامة لا نهائية.
مشكلة الاقتصاد الأمريكي الحقيقية في أمرين: الأولى أنه يعاني ارتفاع مصروفات الميزانية العامة الموجهة لنفقات الدفاع ونفقات الأعباء الاجتماعية وهذه سلبت منه لعقود فرصة تحسين التراكم الرأسمالي الاستثماري، وتأثرت البنية الأساسية في الولايات المتحدة حتى أصبحت في وضع مزر، لكن المشكلة أعمق من مجرد وضع مزر، فوضع الصناعة مضطرب مع تركيزها على التقنية المتقدمة جدا وهذا هو الأمر الثاني، فعالم صناعة الإنترنت والاتصالات قضى تماما على كثير من الصناعات الأساسية التي تفضل الشركات الأمريكية أن تشتريها من الخارج، وأصبح كثيرون جدا من الشعب الأمريكي الذين كانوا يعملون في هذا الصناعات خارج الاقتصاد برواتب ضعيفة -إن وجدوا عملا لهم- في مقابل منتجات تقنية غالية الثمن لا يستطيعون شراءها وليسوا في حاجة إليها في الواقع، وبهذا رصدت مظاهر الكساد العالمي الكبير الذي ضرب العالم عام 1929 في كثير من الولايات الأمريكية ومع ذلك فإن الاقتصاد لم يسجل كسادا في إحصاءاته وهذا تناقض، بمعنى أن مظاهر الكساد عامة والبؤس حاضر لكن الاقتصاد ينمو في حسابات الحكومة، والحقيقة أن البنية الأساسية للبلاد ومعها أولئك الذين يعانون البؤس أصبحوا جميعا مجرد عبء على ميزانية الحكومة ولكن الاقتصاد قادر على الحياة بدونهم. بمعنى أكثر دقة فإن الاقتصاد الأمريكي لم يعد بحاجة إليهم.
لقد جربت الحكومات الأمريكية المتعاقبة كل الحلول الممكنة لمعالجة تفاقم العجز ومعه الدين الحكومي بسبب ضخامة الإنفاق على هؤلاء العالة على الاقتصاد، وكانت حلول أوباما تتمحور في زيادة الضرائب ومحاربة الملاذات الضريبية من خلال قانون فاتكا، وهذا استفز حزب الشاي الأمريكي الذي مثل أغنياء الولايات الأمريكية وكبار دافعي الضرائب وطالبوا حكومة أوباما بتخفيض مصروفات الميزانية الناتجة عن الدعم الاجتماعي بدلا من رفع الضرائب، وجن جنونهم عليه عندما مرر قانون الإعانات الصحية. وأخيرا كان ترمب متميزا في تشخيص المشكلة الاقتصادية أثناء حملته الانتخابية لإقناع الناخب في الولايات المتحدة بينما انشغلت كلينتون في انتقاده، ليس لأنها لا تعرف المشكلة لكن لأنها لا تملك جرأته على الحل.
بالعودة لربط الموضوعات، فإن الحل الرأسمالي يقول بالتخلي عن الإعانات الاجتماعية خاصة لمن لا يستحقها وهذا سيخفف من النفقات، ولابد من معالجة البنية التحتية لرفع مستوى التراكم الرأسمالي ومن ثم تحسين الاستثمار وهذا يعني الاقتراض، وإقناع الدائنين بالبقاء يتطلب زيادة الفوائد وبالتالي نفقات أكثر وعجز أكبر، ولهذا فإن الحل المنشود سيفرض اقتراضا مع فائدة منخفضة، لكن الرضا بفائدة منخفضة مع وضع الدولار السيئ يعني فرقا بين سعر الفائدة الحقيقي والاسمي، فكيف يرضى الدائنون بذلك؟ هذا هو مفتاح اللغز ولماذا جاء الجمهوريون للكونجرس بقانون جاستا الذي سيقف بالمرصاد لكل محاولة سحب للأموال، فعلى دول العالم أن تسهم في بقاء الولايات المتحدة واقتصادها لإدارة العالم وحمايته من الإرهاب، ومن ليس مع أمريكا فهو مع الإرهاب، وبهذا سوف تنهج الولايات المتحدة نهجا جديدا في أسعار الفائدة والأسواق مضطربة الآن. فعلى الجميع أن يقرض الولايات الأمريكية وعليهم أيضا الرضا بفائدة متواضعة جدا، وعلى من يرفض ذلك مواجهة عقاب أمريكا التي قد تزج بكل المهاجرين إلى بلدانهم، فلديها فائض بشري وعسكري ضخم ستلقي به على من يخرج عن طاعتها.
وفقا لهذا السيناريو سيكون على الدول التي ترتبط بالدولار مناقشة أسعار الفائدة بدقة، فأمريكا لم تعد تهتم بأحد، وإذا قبل العالم بفائدة متدنية اسميا بينما الفائدة الحقيقية أعلى بكثير فقد تنهار العملات المرتبطة بالدولار وتدخل في أسواق سوداء. الاقتصاد غير الجاهز لفك الارتباط عليه أن يهيئ نفسه الآن، فالوقت لن ينتظر أحدا، ربط النفط بالدولار مسألة وقت، والأسعار سوف تفقد استقرارها لفترة، وكل ذلك يمكن للعالم تقبله، لكن السؤال الباقي عندي إذا فشلت هذه الحلول فما الذي سيحدث؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي