لم نعط الأسواق حقها

قرأت كتاب ?Who gets What and Why - "من يحصل على ماذا ولماذا؟" للاقتصادي ألڤن رأث الفائز بجائزة نوبل للاقتصاد 2012. موضوع الكتاب تصميم الأسواق وتجاربه العملية فيها ودور الأسواق في الإنتاج والتوزيع. غالبا ما يتحدث الاقتصاديون عن الاقتصاد الكلي (المالية العامة والاستثمارات وجزيئاتها المهمة مثل أسعار النفط والتوطين وغيرها) وإلى حد أقل الاقتصاد الجزئي (اقتصاديات الشركات) ولكن نادرا ما نتحدث عن الوسط والهياكل والروابط التنظيمية التي يتم من خلالها التبادل والتعامل في قطاع الأعمال - هذه هي الأسواق. سلامة الأسواق من حيث السلاسة والعدالة وتوافر المعلومات والشفافية والأمان والثقة جزء أساس من المنظومة الاقتصادية. يصعب أن تتخيل أي علاقة اقتصادية أيا كانت دون سوق صحية. تم انتقال الاقتصاد من أنماط المقايضة المباشرة بين الأفراد في مجتمع بسيط إلى وسط أكثر تعقيدا وأقل شخصية ومنفتحا على أسواق جديدة. يحاول الكتاب أيضا تفعيل التفكير والتحليل الاقتصادي لدراسة وترتيب القبول في الجامعات والقضاء وبرامج التبرع بالأعضاء.
تبدأ سوق جديدة كلما توافرت مقومات معينة ووصل الحجم إلى مركزية للتبادل وإعطاء السعر فرصة لنقل المعلومات عن العرض والطلب. لم يكن لدينا سوق أسهم على درجة من التنظيم قبل عقدين، ولم يكن لدينا سوق للهواتف النقالة قبل عدة سنوات، وليس لدينا سوق للطاقة اليوم ولكن هناك حراك ينتظر مزيدا من تفعيل المقومات والرعاية. هناك أسواق أخرى قديمة ولكنها لم تعط حقها في تقييم عناصرها بدقة مثل المقاولات بسبب الحجم الكبير نسبيا، ووقوعها بين طلب الاقتصاد الكلي (من خلال المصروفات العامة) وبين آلية الاقتصاد الجزئي (القطاع الخاص) ("الاقتصادية": الرابط بين المقاول والمصرفي 09/7/2016)، الشركات الأكثر علاقة مع المستهلك أقل تذبذبا (أقل مخاطر)، وبالتالي هذه الأسواق أكثر سلامة مثل سوق منتجات الألبان والتجهيزات المدرسية. ولا بد من محاولة إيجاد سوق لكل شيء وأيضا مراجعة كل سوق ومحاولة الحفاظ على درجة مقبولة من الحيوية.
ما يميز الاقتصاد الحديث عن الجامد القدرة على إيجاد أسواق جديدة. لا تنشأ الأسواق الجديدة بالضرورة من بضائع جديدة بل من استغلال فجوات واحتياجات جديدة وكسر لاحتكارات قائمة. فمثلا قيام "أمازون وأوبر وكريم وعلي بابا" وغيرها أمثلة على قدرة المبادرين على إيجاد أسواق جديدة وأساليب أخرى للأعمال منشئين أسواقا بديلة. هناك مقومات ينبغي على المبادر القيام بها لتمكين السوق الجديدة، أولا، كيف تكون السوق سميكة (جاذبة لعدد كبير من المشترين والبائعين)، ثانيا كيف يقاوم الزحام (كل سوق ممكن أن تعاني بما يشابه ذروة حركة المرور) والمحافظة على سمك السوق في الوقت نفسه، وثالثا كيف تجعل السوق آمنة وموثوقة. تكوين الأسواق يساعد على صنع شركات جديدة وفرص عمل ونمو اقتصادي. ولكن في نظري لا يقل أهمية في المملكة أننا ما زلنا لم نعط دراسة الأسواق حقها. الأسواق الصحية تزيد من فعالية الاقتصاد وتحفز على المنافسة وتزيد كفاءة إدارة الموارد الاقتصادية في كل النواحي. إداريا ستقود الطبقة التكنوقراطية إلى معرفة ما يدور في الاقتصاد على أرض الواقع من خلال نقاش موضوعي ومستمر مع القطاع الخاص للتعرف على فرص تحسين كل سوق وآفاق أسواق جديدة. هناك أسواق كثيرة تتطلب دراسة ملحة مثل سوق المنازل والأراضي والمقاولات، فمثلا هناك حديث قديم عن إصلاح/ تخصيص القطاع الصحي وهذا لن يتم دون التفكير في سوق التأمين الصحي وعلاقتها بأسواق الأدوية والتخصصات الطبية والمختصين.
لعله من المناسب في ظل ما يتم من نقاش اقتصادي محموم وصحي أن تعطى الأسواق فرصة للدراسة والتحليل والتوصيات العملية والتنظيمية لخدمة الأسواق. عمليا يمكن أن يؤسس فريق يدرس كل سوق ويدخل في نقاش مع العاملين فيها للتعرف على هيكلها والمعوقات والمحفزات الممكنة. تشرع المملكة في برنامج تخصيص كبير ولذلك للأسواق دور مركزي في الحاضر والمستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي