دروس يمكن للغرب تعلمها من العالم العربي
قبيل التحاقي أخيرا بالعمل كمدير أكاديمي لمقر كلية إنسياد لإدارة الأعمال في الشرق الأوسط، في أبوظبي، لم أكن قد عملت أو عشت خارج الولايات المتحدة من قبل، وبعد أن بدأت حياتي الجديدة كأجنبي مقيم في المنطقة العربية، ظهرت مستجدات مثيرة للاهتمام من حولي، تمثلت في مجملها في التساؤلات المطروحة من قبل زملائي وأصدقائي وحتى أفراد عائلتي من خارج المنطقة، حول كثير من الأمور الحياتية هنا.
على المستوى السطحي، أستطيع تفهم الإشكاليات التي تفرزها هذه الحالة، كقضايا حقوق الإنسان ودور الدولة وباقي الأطراف في المجتمع، وهي إشكاليات موجودة في أي نظام سياسي. لكنني في الوقت نفسه، أرى في تخوف البعض من إمكانية وجود مبدأ السلطة المطلقة في منطقة الشرق الأوسط ما يدعو إلى السخرية، خاصة أن هذه النظرة تحمل في طياتها تسليما ضمنيا بوجود قيود على نفوذ الحكام في دول الغرب الصناعي، فمن المستغرب كيف يميل أولئك الذين يطرحون تلك التساؤلات والمخاوف إلى تجاهل حقيقة أن أمراء "وول ستريت" هم الذين تسببوا في الأزمة التي يشهدها النظام المالي العالمي.
لقد بنى سلاطين الدجل في "وول ستريت" أبراجا مالية بحجم أبراج بابل وخدعوا العالم لشراء أوراق مالية لا قيمة لها، ومن ثم أسهموا في تصميم خطة لإنقاذ مؤسساتهم وشركاتهم بالاعتماد على أموال دافعي الضرائب، واتضح لاحقا أن تلك الأموال التي تم ضخها لإنقاذ المؤسسات المالية والمصارف قد استعملت لدفع مليارات الدولارات كحوافز ومكافآت لأولئك المتنفذين أنفسهم في "وول ستريت" الذين أدخلوا العالم في الأزمة المالية.
وبناء على هذه الحقائق، أصبحت أكثر تخوفا تجاه مراكز القوى في "وول ستريت" مقارنة بتركز السلطات في أيدي حكام دول منطقة الشرق الأوسط، وبعد التعمق في هذه الطروحات والأسس المبنية عليها، توصلت إلى قناعة بأن الديمقراطيات الصناعية، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي أعرفها حق المعرفة، قد فشلت فشلا ذريعا في كبح جماح أصحاب المصالح والحد من نفوذهم المفسد، وبالطبع يرجع هذه التدهور إلى تاريخ طويل حتى قبل بداية الأزمة العالمية الراهنة، ويتجاوز أيضا إشكالية ضعف الرقابة على المؤسسات المالية العملاقة.
وبالنسبي إلي، فقد شكل انتقالي إلى العالم العربي أرضية خصبة للتمعن في الأفكار التي كونتها حول طرق تقييد نفوذ المصالح الشخصية، وحاولت فهم البيئة الثقافية الجديدة التي انتقلت للعيش فيها واستيعاب تاريخها، واستطعت تحديد ظاهرتين رئيستين في آلية التفاعل بين الدولة والشعب في دول المنطقة.
تتمثل الظاهرة الأولى في مدى شخصنة السلطة هنا، فعلى عكس مراكز القوى في "وول ستريت"، الذين يفضلون البقاء خلف الكواليس، فإن من يمارس مبدأ تركيز السلطة في هذه المنطقة عليه أن يكون في الواجهة على مرأى من الجميع، ومما لاحظته أن ذلك يسهم في أن يدرك أصحاب السلطة المسؤولية الملقاة على عواتقهم ويسهم في إيضاح دورهم أمام الشعب، فلدى وجودهم في قمة السلطة، يكون لأفعالهم تداعيات سياسية ورمزية. أعتقد أن صناع القرار المدركين لوجودهم في دائرة الضوء أمام الرأي العام يعون ضرورة أن تعكس أفعالهم شخصياتهم كأفراد، وأن تعكس أيضا مكانتهم الاجتماعية، ومن جانب آخر، يستطيع الشعب تحديد ومعرفة من هم أصحاب السلطة والقرار الذين يمكن اللجوء إليهم عند الحاجة.
من خلال قراءة هذه المعطيات، فإنني لا ألمح إلى أن هذه المنظومة كاملة أو أنها أفضل مقارنة بالأنظمة الأخرى، لكني أرى أن الوقت ربما قد حان لتبدأ الدول الصناعية في كشف مراكز القوى الموجودة فيها وإظهارها للرأي العام.
وقد حان الآن الوقت المناسب كي تدخل الأطراف التي ستتولى قيادة الاقتصاد العالمي دائرة الضوء وتكون ظاهرة ومعروفة للجميع، وألا يسمح لها بالعمل خلف الكواليس والتهرب من مسؤولياتها.
* أستاذ ريادة الأعمال والشركات العائلية، إنسياد