دول إفريقيا تنسحب من «الجنائية الدولية» تباعا

دول إفريقيا تنسحب من «الجنائية الدولية» تباعا
البلد المنسحب مطالب بالتعاون مع الجنائية الدولية فيما يتعلق بأي إجراءات بدأت قبل الانسحاب.

لقد سلمت حكومة الرئيس جاكوب زوما في جنوب إفريقيا بتاريخ 19 تشرين الأول (أكتوبر) مستندات للأمم المتحدة للتعبير عن نيتها الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية وهذا القرار كان مفاجئا لعديد من المراقبين والمهتمين بشؤون المحكمة الجنائية الدولية.
وقبل ذلك بأسبوع يذكر أرييه نيير، الرئيس الفخري لمؤسسات المجتمع المفتوح وأحد مؤسسي "هيومن رايتس ووتش"، في تقرير بهذا الشأن. كانت بوروندي أول دولة عضو تنسحب من المحكمة الجنائية الدولية وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أشارت إلى أنها ستحقق وربما ستوجه الاتهام لمسؤولين حكوميين بعد أن ألقى الرئيس البوروندي بيير نكورونزيزا ببلاده في أتون الاضطرابات وذلك عندما رشح نفسه لفترة رئاسية ثالثة بما يخالف الدستور.
لقد لقي كثير من الناس مصرعهم في الاضطرابات التي تسبب فيها نكورونزيزا ما أعطى نكورونزيزا وغيره من المسؤولين الحافز للانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية ولكن لا توجد خطط لتوجيه اتهامات في جنوب إفريقيا ما أثار دهشة الجميع من دوافع القرار الذي اتخذته حكومة جنوب إفريقيا.
إن الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية ليس بالأمر السهل فطبقا لميثاق روما لسنة 2002 الذي أسس المحكمة فإن البلد يبقى عضوا في المحكمة الجنائية الدولية لمدة سنة واحدة على الأقل بعد أن يخطر الأمم المتحدة بنيته الانسحاب وإضافة إلى ذلك فإن البلد مطالب بالاستمرار في التعاون مع المحكمة الجنائية الجدولية فيما يتعلق بأية إجراءات قضائية بدأت قبل تاريخ سريان مفعول الانسحاب.
وهكذا فسوف يسمح للمحكمة الجنائية الدولية بإكمال أية ملاحقات قضائية تبدأها خلال السنة المقبلة وهذا يعني أنه ليس بإمكان المحكمة توجيه اتهامات للمسؤولين البورونديين فحسب، بل أيضا ملاحقتهم إلى أجل غير مسمى لو لم يستسلموا أو لم يتم تسليمهم من قبل الحكومة البوروندية.
أما في جنوب إفريقيا فإن قرار حكومة زوما بالانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية هو قرار مشكوك فيه من الناحية القانونية ففي واقع الأمر قد لا يصبح هذا القرار ساري المفعول وذلك نظرا لأن زوما قد تصرف لغاية الآن وحده، حيث لم يقم بعرض الموضوع على برلمان جنوب إفريقيا الذي صادق على القرار الأصلي بالانضمام للمحكمة الجنائية الدولية الذي يجب أن يشارك في أي قرار بالانسحاب كما لم يمنح زوما شعب جنوب إفريقيا فرصة مناقشة القضية أو التأثير في القانون التشريعي الذي سيتم اتخاذه في نهاية المطاف.
لو بقي هذا القرار الأحادي ساري المفعول فإنه سيترك جنوب إفريقيا في وضع غامض فبينما سينتهي وضع البلد كعضو في المحكمة الجنائية الدولة فإن الحكومة ستبقى ملزمة بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية طبقا لقانون التنفيذ الذي تبناه برلمان جنوب إفريقيا سنة 2002.
إن العنصر الآخر وراء القرارات الأخيرة للانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية هو الحملة الحالية بين بعض الدول لاتهام المحكمة بأنها تستهدف القادة الأفارقة وعلى الرغم من أن هناك بعض الحقيقة في مثل هذا الاتهام فإن من الجدير ذكره أن جميع الملاحقات القضائية ضد الأفارقة قد تمت إحالتها إلى المحكمة الجنائية الدولية من الحكومات الإفريقية نفسها أو مجلس الأمن الدولي والاستثناء الوحيد هو القضية التي تتعلق بالعنف العرقي الذي حصل بعد الانتخابات في كينيا سنة 2007 التي تمت إحالتها إلى المحكمة الجنائية الدولية من قبل الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان بعد أن ساعد في التوسط في النزاع.
في واقع الأمر فإن من المرجح أن تكون القضايا في المحكمة الجنائية الدولية أكثر تنوعا قريبا فهي تقوم بشكل نشط بمراقبة الجرائم في أجزاء أخرى من العالم بما في ذلك جرائم القتل المنتشرة خارج نطاق القانون التي تستهدف من يشتبه بتعاطيه المخدرات في الفلبين. لقد قامت المحكمة الجنائية الدولية فقط بإكمال عدد قليل من الملاحقات القضائية في إفريقيا ولكن يبدو أن تصرفاتها قد أدت إلى كبح جرائم العنف بشكل كبير في عدة بلدان وسوف يكون من المؤسف حقا لو قررت الدول الإفريقية الأخرى أن تحذو حذو الحكومات في بوروندي وجنوب إفريقيا.

الأكثر قراءة