العنصرية البيضاء تتجدد.. اقفز يا «جيم كرو» عاليا هذه المرة
يستدعي شاب أمريكي أسود هذه الأغنية الشهيرة من حكايات جدته وذاكرة مجتمعه، متجها إلى صندوق انتخابٍ حُرمت جدته نفسها من الوصول إليه بسبب قوانين استعارت تسمية الأغنية (جون كرو) حتى تفصل مجتمع الجدة عن أسيادها البيض.
وليس التاريخ وحده مصدر الكوابيس لهذا الشاب، فحاضر السنوات الثماني السابقة يقول إن السود اضطهدوا على يد الشرطة في عهد رئيس أسود أكثر مما حدث لهم في عصور رؤساء بيض، فالجدة لم تكن تبالغ حين قالت لحفيدها: "لا تسمح لهذه الأغنية أن تنبعث من المذياع مجدداً"، لأن الشعب الذي اقترع لرئيس أسود لمرتين قد يكون نفسه الذي ينتخب رجلاً ينتمي إلى فكر مختلف.
وإذا كان الفوز الذي حققه دونالد ترمب يعزز مخاوف الجدة وهواجس الحفيد، فإنه أيضاً يستفزّ قراءاتٍ سوداويةً شديدة التعقيد لمستقبل غامض وموحش داخل الولايات المتحدة وخارجها، ويعزز مخاوف الانقسام في مجتمع يصحو اليوم على خرافة تعدديته تاركاً لسكان الأرض أن يراقبوا بفزع مبـرر بزوغ "الفجر الذهبي" لليمين المتطرف في أصقاع المعمورة.
ويفتح هذا الفوز أيضا الباب لحساب ذاتي عسير قد تخوضه نخبٌ –جمهورية وديمقراطية- استعلتْ على قواعدها الشعبية وتجاهلت التحولات الطارئة التي اعترت مجتمعاتها، فالجمهوريون توّهموا أن امتناعهم عن التصويت لمرشح حزبهم يكفي لسقوطه أخلاقياً واجتماعياً، وحتى لو درجت سنة المرشحين أن يكبح المكتب البيضاوي حماستهم الانتخابية ليطوعهم في خدمة المؤسسة ومصالحها، فإن مجرد السماح بترشيح ترمب وفوزه لاحقاً بعد كل ما قاله، يؤجج السخط على حضارةٍ تمرر هذا الخطاب الانتخابي المشين ما دام صادراً عن العنصر الأبيض، بينما لن تتسامح مع سياسي عربي يدعو مثلاً إلى طرد الأقليات من بلاده أو يتخذ موقفاً مهيناً للمرأة أو معادياً للغرب. فالرفض العارم الذي قوبل به ترمب ليس اعتراضاً على نتائج لعبةٍ يقبل الجميع بقواعدها (رغم شذوذ هي الأزمة الفكرية/الأخلاقية نفسها التي يعيشها مسلمٌ يهتاج لرسومٍ كاريكاتورية سخيفة ولا تغضبه براميل متفجرة تقضي على مدن بأكملها، وربما تشبه من زوايا أخرى أزمة فرنسي يتغنى بثقافة المساواة وهو يطرد المهاجرين عن حياض قارّته، وألماني يشتم هتلر في طابور الصباح ولا ينتبه لأشباهه في دمشق،ـ وبريطاني يستميت في الدفاع عن المكتسبات الديمقراطية وهو يعمى عن استبداد يتوافق مع مصلحته، ولاتيني يطرب لأغنيات تحرير الإنسان وهو يصطف مع قاتل يسترقّ البشر ويبيد من تبقى منهم، ومثقفٍ عالمي يتباهى بمبادئ الحرية والعدل وهو يؤجر عقله لإعلامٍ بغيض ومزدوج المعايير.