«الأمم» تكافئ «مراكش الخضراء» باستضافة قمة المناخ 22
تعيش مدينة مراكش الحمراء التي أضحت خضراء منذ مطلع الشهر الجاري على إيقاع فعاليات مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، المعروفة اختصارا بكوب 22 COP. تستمر أشغال المؤتمر على مدار أسبوعين من 7 إلى 18 نوفمبر (تشرين الثاني)، بمشاركة ممثلين عن 197 دولة إلى جانب حضور وازن لمختلف المنظمات والهيئات الدولية. فالمعطيات الميدانية الصادرة عن قسم التواصل في المؤتمر، تشير إلى حضور زهاء 30 ألف مشارك؛ من بينهم ثمانية آلاف فرد يمثلون المجتمع المدني و1500 صحافي من مختلف أقطار العالم.
منحُ المغرب شرف تنظيم هذه الدورة في سياق استثنائي، ميزته تزايد الاهتمام بقضايا البيئة والمناخ كخطر كوني يتهدد كوكب الأرض في القادم من السنوات، عائد من ناحية إلى الجهود النوعية للبلاد في سبيل حماية البيئة والتصدي لكل أصناف التلوث، علاوة على السياسة الاستراتيجية التي انخرطت فيها الرباط منذ سنوات بخصوص الاستثمار في قطاع الطاقات المتجددة أو النظيفة.
ولا أدل على ذلك سوى انتقال البلد من مستورد لأكثر من 90 في المائة من حاجياته الطاقية قبل سنوات إلى منتج لنحو 45 في المائة، بالاعتماد على الطاقة الشمسية في غضون السنوات الخمس القادمة؛ بفضل مشروع "نور 1" الذي يعد أكبر محطة لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم، بمدينة وارزازات جنوب شرق المغرب. يتوقع المراقبون أن يسهم هذا المشروع الطاقي عند اكتمال مراحله الخمس سنة 2020 في خفض انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون بنحو تسعة ملايين طن سنويا.
ومن ناحية أخرى يعزى الأمر إلى الحضور والانخراط الدائم للبلد في أهم المحطات الدولية ذات الصلة بالبيئة، منذ قمة الأرض من أجل البيئة والتقدم في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية عام 1992، فالاتفاقية الإطار الخاصة بتغير المناخ في كيوطو سنة 1997، ثم محطة مونتريال في كندا التي تميزت بدخول اتفاقية كيوطو حيز التنفيذ في 16 فبراير (شباط) 2005.
#2#
بعدها بسنتين جاءت محطة بالي التي وضعت فيها خريطة طريق حددت فيها قضايا البيئة طويلة الأجل. ثم منعطف كوبنهاكن في 2009 الذي شهد نقاشا حادا بين الأطراف، تميز بانسحاب روسيا واليابان ونيوزيلندا وكندا من بروتوكول كيوطو. فمؤتمر العاصمة البولندية وارسو في 2013 الذي تم فيه إبرام اتفاق بخصوص تمويل مكافحة تغير المناخ.
وأخيرا محطة باريس السنة الماضية التي شهدت أول اتفاق عالمي بشأن المناخ، وجاء عقب مفاوضات عسيرة شهدها هذا المؤتمر. ويهدف هذا الاتفاق الملزم قانونيا إلى احتواء الاحترار العالمي لأقل من درجتين، وسيسعى لحده في حدود 1.5 درجة، وقد صودق عليه من قبل كل الوفود المشاركة – نحو 195- في المؤتمر في 12 ديسمبر (كانون الأول) سنة 2015.
جاء الدور على قمة مراكش التي تعتبر لقاء مكملا لاتفاق باريس، فهي بمثابة لقاء عالمي يبحث عن بلورة الإجراءات التطبيقية لترجمة المبادئ الرئيسة بشأن المناخ. فالإجماع قائم هنا في مراكش على أن أهم نقطة ستنصب حول وضع القواعد الكفيلة بتطبيق مقتضيات باريس، وخاصة أن الاتفاق على تحديد موعد، يشمل تبني جملة من بنود الاتفاق، لا يزال قيد البحث والتشاور.
بتوالي الجلسات والأشغال يجدد المشاركون الدعوة إلى العمل بسرعة من أجل مجابهة التغيرات المناخية ومخاطرها، داعين الحكومات والمجتمع المدني العالمي إلى التعاون والتعامل بشكل جيد وجماعي، لتكثيف جهود محاربة التغيرات المناخية، والانخراط في مبادرات إرادية جدية لتقليص انبعاث الكربون، وربط التنافسية بمؤشر المسؤولية الاجتماعية والبيئية للمقاولة.
لا حديث في القرية المحتضنة للمؤتمر، سواء في الجلسات الرسمية أو في الهوامش وأروقة الأنشطة الموازية إلا عن ضرورة السعي لإيجاد سبل ترجمة عملية لاتفاقية باريس حول المناخ، حتى تتحول الدورة 22 إلى "قمة العمل" كما تردد على لسان رئاسة المؤتمر أكثر من مرة. تسعى قمة مراكش إلى مناقشة قضايا رئيسة من قبيل التكييف والتخفيف من إجراءات الحد من التغيرات المناخية، وبلورة الآليات الدولية للشفافية ونقل التكنولوجيا اللازمة، وتكثيف بناء القدرات في مجال الموارد البشرية، حيث أصبح الاهتمام بالقضايا البيئية من أوليات السياسات العمومية لعديد من البلدان، خاصة في مجال نقل الخبرة من البلدان التي خطت خطوات مهمة في درب التحسيس والتوعية بالحفاظ على البيئة، واتخاذ إجراءات قانونية وإدارية صارمة من أجل بيئة نظيفة تصاحبها تنمية مستدامة.
واضح إذن أن كل الأطراف تحدوها رغبة أكيدة نحو تفعيل وترجمة عديد من المحاور المتفق عليها في الدورة الماضية "كوب 21" على أرض الواقع، ومن ضمنها التكيّف مع الوضع الجديد الذي بات يهدد عديدا من البلدان في العالم؛ على رأسها البلدان الجزرية التي تبلغ 46 بلدا، والخاص بتصاعد مياه البحار والمحيطات حول الأرض، ما ينذر بارتفاع حدة المخاطر من جراء ذوبان الجليد، ووقوع جفاف شديد يتجاوز مرتين ما تم رصده سابقا؛ حيث بلغ 14 في المائة السنة الماضية مقابل 8 في المائة في السنة التي قبلها.
من جهته، يسعى المغرب بمناسبة رئاسته للقمة الدولية إلى تفعيل الآلية المالية التي تعتمدها الأمم المتحدة، وهي ملحقة بالاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، إنه "الصندوق الأخضر للمناخ"؛ الذي سوف يعمل على تحويل الأموال من البلدان الأكثر تقدما إلى البلدان الأكثر هشاشة اقتصاديا، لتنفيذ مشاريع لمكافحة آثار تغير المناخ.
وذلك بحثِّ المشاركين على إقرار خريطة مالية ملموسة، تمكن من تعبئة 100 مليار دولار بحلول عام 2020 لتمويل تلك المشاريع مع إعطاء الأولوية للتكييف بحسب احتياجات كل بلد.
محطة نوعية وتاريخية في مسار ومصير الكوكب الأزرق، فأنظار العالم تتجه نحو مراكش لمعرفة مخرجات هذه القمة التي تعقد عليها آمال كثيرة بعدما أدرك العالم درجة الخطورة المحدقة به جراء تسجيل السنة الماضية أرقاما قياسية في درجات الحرارة لم تشهد الأرض نظيرا لها عبر التاريخ.