نهاية «التغيير» الأمريكي .. «رجل أبيض» للبيت الأبيض
فجر الأربعاء الماضي (9 نوفمبر) تم الإعلان عن فوز رجل الأعمال الأمريكي دونالد ترمب، عن الحزب الجمهوري بمنصب أقوى رئيس دولة في العالم. تراوحت ردود الأفعال تجاه انتخابه ما بين الصدمة والاستغراب لدى بعض الفئات، والنشوة والإعجاب بالفوز لدى فئات أخرى، وخيبة أمل تغزو شريحة واسعة داخل وخارج أمريكا.
جزء كبير من المتابعين في العالم العربي ضمن المجموعة الأخيرة، فرهان أغلبهم كان على المرشحة هيلاري كلينتون، على اعتبار أن الرؤساء المنتخبين من الحزب الديمقراطي يقفون إلى جانب العرب ويناصرون قضاياهم.
لكن لا أحد من هؤلاء تساءل؛ بعيدا عن ضوضاء الحملة الانتخابية وصخبها، عن مكاسب العرب طوال ثماني سنوات من حكم الرئيس باراك أوباما عن الحزب الديمقراطي. هل غنم العرب شيئا مع هذا الرئيس ذي الأصول الإفريقية الذي عُلقت عليه آمال كبيرة عام 2008، لدرجة وصفه بصديق العرب الذي سوف ينسيهم حروب وفضائح الجمهوريين في أفغانستان والعراق.
نستعيد هنا أبرز الانتصارات والانكسارات التي سجلت طوال عقد إلا سنتين المدة التي قضاها أول رجل أسود بالبيت الأبيض، ونقرؤها في ضوء ما قطعه الرئيس من وعود في سباقه نحو منصب الرئاسة، كما نبحث نصيب قضايا العرب من ولايتي الرجل في الحكم.
انتصارات الرئيس
عديدة هي الصنائع التي سيحتفظ بها التاريخ للرئيس الـ44 في تاريخ الولايات المتحدة، في مقدمتها نجاحه في إنهاء حربين مدمرتين في أفغانستان والعراق، وذلك بالإعلان في تشرين الأول (أكتوبر) 2011، عن انسحاب القوات الأمريكية من العراق، وتأكيده أن الحرب هناك قد انتهت. الشيء نفسه كان مقررا في أفغانستان بحلول عام 2014، غير أن ارتفاع درجة الخطر الذي تشكله حركة الطالبان على المنطقةـ دفع به إلى تمديد بقائها إلى ما بعد نهاية ولايته.
ستبقى إحدى بصمات الرئيس صاحب جائزة نوبل للسلام سنة 2009، قدرته على طي آخر صفحات الحرب الباردة، بإعلان المصالحة بين واشنطن وهافانا بعد زيارة تاريخية له في آذار (مارس) 2016، بعد 88 سنة من آخر زيارة لأحد ساكني البيت الأبيض، يعلق الأمر بالرئيس كالفين كوليدج الذي زار هذه الجزيرة الكاريبية الصغيرة الواقعة على بعد 150 كلم عن الشواطئ الأمريكية سنة 1928.
#2#
سيظل أوباما رمزا بالنسبة للكثير من الإيرانيين، ففي فترة حكمه تمكنت بلادهم من التوقيع على اتفاق وصف بالتاريخي حول برنامجها النووي مع القوى الغربية، بعد مفاوضات مكثفة استمرت زهاء 22 شهرا بين الطرفين في العاصمة النمساوية منتصف شهر تموز (يوليو) 2015. معلنا بذلك نهاية لائحة لأربع مجموعات من العقوبات فرضها مجلس الأمن على إيران "كانون الأول (ديسمبر) 2006، وآذار (مارس) 2007، وآذار (مارس) 2008 وحزيران (يونيو) 2010".
انكسارات الرئيس
شكلت بعض الوعود التي قدمها أوباما إبان حملته الانتخابية الأولى برنامجا نوعيا لفت إليه الأنظار من داخل وخارج أمريكا، وزاد من ذلك تأكيده في بداية ولايته الأولى على السير قدما في سبيل إنجازها.
يأتي على رأس تلك الملفات القضية الفلسطينية التي خيب فيها آمال الفلسطينيين، فخلال ولايتين لا استيطان توقف ولا مفاوضات أطلقت، من هذا الرئيس الذي ألقى خطابا تاريخيا محملا بالوعود سنة 2009 بجامعة القاهرة؛ في فترته الرئاسية الأولى، من أبرز ما جاء فيه سعيه الحثيث إلى وقف الاستيطان في الأرض الفلسطينية. مرت الأيام دون أن يحدث شيء، إذ بقيت السياسية الأمريكية القائمة على الدعم الكامل لإسرائيل على حالها دون تغيير يذكر، إن لم تكن في ازدياد خلال فترة حكمه كما يرى عديد من الفلسطينيين.
في عز احتدام الصراع الانتخابي عام 2007 بينه وبين منافسه جون مكين من الحزب، وفي لحظة أشبه ما تكون بالتحدي، قطع أوباما وعدا أمام العالم بإغلاق معتقل جوانتانمو، الذي وصفه ذات مرة بوصمة عار في سمعة وروح أمريكا الديمقراطية. بيد أنه اليوم، وعلى بعد أشهر فقط من مغادرته منصب الرئاسة لم يف الرجل بوعد كان قد حدد له بداية 2010 كسقف زمني للتنفيذ. مع الإشارة هنا إلى أنه تمكن من خفض عدد المعتقلين في سجن لم تتردد منظمة العفو الدولية بوصفه "همجية العصر" من 242 في بداية حكمه إلى 61 سجينا الآن، بعد أن قدر عدد السجناء فيه بـ 779 عند انطلاقه سنة 2002.
نصيب العرب
قد لا نكون من المبالغين عند القول إن حصاد العرب في فترة حكم أوباما كان صفريا، فبعد الأزمة الاقتصادية العالمية دخلت أمريكيا في سياسة الانكفاء، ما أدى إلى ترك المنطقة العربية على شفا انهيار، وسلّمتها لروسيا وإيران، فيما بدا أن بوصلة واشنطن تتجه بعيداً عن أوروبا والشرق الأوسط صوب المحيط الهادئ.
فالخروج من العراق كان وفق جدول زمني متفق عليه حقا، لكن في المقابل لم يكن مرفقا ببرنامج مواز ما حول البلد إلى ولاية إيرانية تلعب فيها طهران كما يحلو لها موظفة في ذلك ورقة الطائفية لتمزيق ما بقي من هذا البلد العربي الجريج.
تردد إدارة أوباما في اتخاذ قرار حازم في سبيل دعم الثورة السورية على غرار ما قامت به عديد من الدول العربية والغربية منذ اللحظة الأولى، أفضى إلى تحويل الساحة السورية اليوم إلى مستنقع دم لا أمل في تجفيفه على المدى القريب ولا المتوسط، خاصة بعد دخول الدب الروسي إلى واجهة الصراع.
الملاحظة نفسها تنطبق على التصدي لأخطبوط "داعش" الذي تمدد تدريجيا في العراق والشام على مرأى الإرادة الأمريكية التي لم تحرك ساكنا؛ بالرغم من توالي الصرخات هنا وهناك للتصدي لهذا السرطان الفتاك، حتى هزت عملياته كبريات العواصم في الاتحاد الأوروبي، مع توارد معلومات على عزمه نقل المعركة إلى داخل أمريكا.
كل هذا دون الحديث عن إدارة الظهر للأزمة الليبية والأزمة اليمنية، وابتزاز المغرب فيما يتعلق بقضية الصحراء، والحديث في الكواليس عن اقتراح فكرة اقتسام النفوذ بين دول الخليج وإيران في الإقليم العربي، لتأتي الضربة القاضية في الأشهر الأخيرة مع "قانون جاستا".