اقتصادات اللغة .. دروس من الهجرة إلى أوروبا
استقبلت البلدان الأوروبية عام 2015 ما يزيد على مليون مهاجر من شمال إفريقيا والشرق الأوسط، أساسا من الصراعات في سورية والعراق، وبعضهم من اللاجئين الذين هربوا من الحرب الأهلية والتمييز والأوضاع الفوضوية. والبعض الآخر من المهاجرين لأسباب اقتصادية بحثا عن فرص أفضل.
إن إجادة اللغة نوع من أنواع رأس المال البشري، شأنها شأن المهارات الأخرى المكتسبة في المدرسة أو في العمل، وهي سلعة اقتصادية مفيدة مهنيا وشخصيا واجتماعيا، ويمكن اكتسابها مقابل تكلفة من حيث الوقت والمال يتحملها الأفراد، وفي حالة الأطفال، الآباء أو مقدمو الرعاية. وعلى الرغم من اختلاف التأثيرات إلى حد ما عبر البلدان، فإن المهاجرين الأكثر إجادة للغة البلد المضيف هم الأوفر حظا في الحصول على وظيفة، ويحققون دخلا أكبر عند التوظيف، وهم الأوفر حظا في أن يصبحوا مواطنين، وتزيد احتمالات زواجهم من أشخاص من خارج بلدهم الأصلي أو مجموعتهم الإثنية.
وركزت البحوث المتعلقة بمحددات إجادة المهاجرين للغة البلد المضيف – التي أجريت في عديد من البلدان المستقبلة للمهاجرين، بما في ذلك أستراليا وكندا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة على أربع مسائل: التعرض للغة، الجيوب السكنية، الكفاءة، والحوافز الاقتصادية.
التعرض للغة: البلد المضيف يمكن أن يحدث قبل الهجرة أو بعدها. فيمكن أن يتعلم الناس اللغة قبل الهجرة من خلال برامج رسمية أو غير رسمية للتدريب اللغوي، أو عن طريق التعرض لوسائط الإعلام وعبر الإنترنت. كذلك يمكن أن يتضمن التعرض للغة بعد الهجرة برامج رسمية أو غير رسمية للتدريب اللغوي، ولكن التعلم من خلال المعيشة، الذي عادة ما يقاس بطول مدة إقامة الشخص في البلد الجديد، هو أكثر الطرق فعالية لاكتساب اللغة.
الجيوب السكنية: إن العيش والعمل في مجتمع إثني، والاقتران بأشخاص يتحدثون اللغة نفسها ييسر انتقال المهاجرين الوافدين حديثا، ولكنه يكون بثمن. فتستغرق عمليات ضبط الأوضاع ذات الصلة باللغة وإقامة شبكات وغيرها وقتا أطول، وبالتالي ما يمكن أن يكون مفيدا على المدى القصير قد يصبح ضررا بمرور الوقت.
وكثيرا ما ترتبط اللغة ارتباطا وثيقا بالتفضيلات الثقافية أو السلع الإثنية التي يستهلكها أساسا أفراد مجتمع إثني ونادرا ما يستهلكها الآخرون. ويتضمن ذلك الأغذية الإثنية (اللحوم الحلال على سبيل المثال) والملابس الإثنية (الساري).
الكفاءة: وهي القدرة على تحويل التعرض للغة جديدة إلى إتقان أكبر لها. والسن محدد أساسي للكفاءة، فيمكن للمهاجرين الشباب أن يكتسبوا المهارات اللغوية للبلد المضيف بشكل أسرع وبدقة أكبر من المهاجرين الأكبر سنا. فالتعليم يزيد من الكفاءة في اكتساب لغات جديدة، كما يفعل في حالة المهارات الأخرى. وهناك عامل آخر للكفاءة، وهو درجة التقارب اللغوي – مدى تقارب لغة الشخص الأصلية أو اللغة الأم مع لغة بلد المقصد.
الحوافز الاقتصادية: هي العامل المهم الأخير الذي يؤثر فيما إذا كان المهاجر سيجيد لغة البلد المضيف وسرعة إجادته لها. وتكون الحوافز الاقتصادية لتعلم اللغة أقوى إذا كان الشخص يتوقع إقامة طويلة وغير متقطعة. ويكون السائحون والزوار المؤقتون أقل حماسا من المهاجرين الدائمين في تعلم لغة بلد المقصد. وتختلف فوائد تعلم لغة بلد المقصد باختلاف المهارة أو المستوى التعليمي.
* إعلامي في صندوق النقد