رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عمران خان .. طموح للسلطة بلا حدود

هو لاعب كريكيت من الدرجة الأولى تخطت شهرته الرياضية بلاده إلى كل الدول التي تمارس فيها هذه اللعبة.
لم تكفه تلك الشهرة فتجاوز كل الاعتبارات والعوائق الدينية والعرقية والقومية وارتبط بسليلة إحدى العائلات البريطانية اليهودية الثرية.
أراد أن يبقي على شهرته بعد تقاعده عن الرياضة فدخل مجال العمل الاجتماعي من خلال بناء المستشفيات ومراكز علاج السرطان وإطلاق منظمات العمل الخيري.
طمح إلى ربط ثرائه وشهرته بالسلطة فشكل حزبا سياسيا خاض به الانتخابات التشريعية على أمل الوصول إلى منصب رئيس الحكومة.
فشل في مسعاه الأخير مرارا وتوارت أخباره، إلا أنه في كل مرة كان يعود مجددا إلى الأضواء عبر بوابة جديدة.
هذا باختصار شديد بعض ملامح سيرة "عمران خان نيازي" لاعب الكريكيت الدولي السابق، والسياسي الباكستاني البشتوني، وطليق المليارديرة اليهودية بريطانية الجنسية "جميما جولد سميث" التي تزوجها سنة 1995 وأنجب منها ولدين ثم طلقها في عام 2004.
أما لماذا نتحدث عنه اليوم فلأن اسمه عاد ليطفو مجددا على سطح الأحداث في باكستان بعدما حث أتباعه وأنصاره على التظاهر والاعتصام في كل المدن والبلدات الباكستانية وإغلاق منافذ العاصمة إسلام أباد من أجل الإطاحة بالحكومة المنتخبة بقيادة رئيس الوزراء نواز شريف بدعوى أنها حكومة "فاسدة ومرتشية ومخالفة لقواعد العمل الديمقراطي" ولا تفعل شيئا من أجل تحسين أوضاع المواطن الفقير، وكأن الرجل وحزبه السياسي يملكان الحلول السحرية الناجعة لبلد ما برح يئن من المشكلات السياسية والاقتصادية والأمنية المزمنة التي لا حصر لها، أو لكأنما الحل يكمن في إغراق البلاد في موجة من الفوضى والقلائل والمصادمات التي ستزيد الأوضاع سوءا من دون أدنى شك. وها هي باكستان ــ وقت كتابة هذه السطور ــ تغرق في مصادمات شارعية بين أنصاره وقوات الأمن، فيما البورصة تخسر والمستثمرون يتأهبون لتصفية استثماراتهم ونقلها إلى مكان أكثر أمنا واستقرارا كمثال على التداعيات السلبية لدعوة عمران خان إلى الاعتصام.
بعض العارفين ببواطن الأمور يزعمون أن الرجل يحاول بشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة الوصول إلى السلطة من أجل السلطة فحسب قبل أن تتقدم به السن خصوصا أنه اليوم في الرابعة والستين من عمره. البعض الآخر لا ينفي طموح خان المزمن للسلطة لكنه يعزيه إلى مخاوفه من قيام الجيش الباكستاني بحركة انقلابية تبعد المسافة بينه وبين حلمه في قيادة باكستان لسنوات أخرى طويلة يكون قد شاخ خلالها. ومخاوفه هذه مشروعة بطبيعة الحال إذا ما أخذنا في الاعتبار تاريخ النظام السياسي في باكستان الذي ظل يتأرجح بين حكومات مدنية وأخرى عسكرية منذ انفصال البلاد عن الهند البريطانية في كيان منفصل في عام 1947.
فإذا ما سلمنا بالمزاعم والافتراضات السابقة فإن ما يقوم به عمران خان ــ وأنصاره وحلفاؤه السياسيون وعلى رأسهم اثنان: السياسي المخضرم شيخ رشيد أحمد الذي انشق عن حزب الرابطة الإسلامية الحاكم وانضم إلى حزب عوامي القومي ثم أصبح حليفا لعمران خان، وشاه محمود قريشي وزير خارجية باكستان الأسبق بين عامي 2008 و 2011 - في هذا الظرف المحلي والإقليمي العصيب الذي تمر به بلاده يؤكد حقيقة واحدة هي أنه لم ييأس من تحقيق طموحاته السلطوية، وإن كانت على حساب استقرار باكستان وأمنها، وأنه مستعد للمضي قدما في مسعاه على الرغم من عدم تمتعه بشعبية كاسحة بدليل أن حزبه الذي أسسه في عام 1996 تحت اسم "تحريك إنصاف" (حركة الإنصاف)، وشعار: إنصاف، إنسانية، احترام الذات، لم يفز بأي مقعد في انتخابات سنة 1997، ثم بدليل أنه عادة ما يوصف بصاحب المقعد الواحد، في إشارة إلى فوزه بمقعد يتيم من أصل 272 مقعدا في انتخابات 2002.
ويعزى مراقبون كثر، في سياق الحديث عن فشله المتكرر في تحقيق فوز كاسح يصعده إلى السلطة، إلى تقلب مواقفه وانتهازيته السياسية من جهة، وازدواجية شخصيته الاجتماعية من جهة أخرى. فقد قيل إنه "في باكستان ملتزم دينيا وفي خارجها غير ذلك". أما تقلباته السياسية فقد تجلت في دعم انقلاب الجنرال برويز مشرف سنة 1999 ثم انتقاده بشراسة قبيل انتخابات 2002، وأيضا قبيل انتخابات 2007 حينما انضم إلى المطالبين باستقالة البرلمان ما لم يستقل مشرف من الجيش قبل دخوله المعترك الانتخابي. ومن جهة أخرى كان قبل عام 1999 معارضا شديدا لسياسات نواز شريف ثم انضم إليه مادحا في عام 2008 وها هو يعود إلى معارضته مجددا. على أن هذا ليس كل شيء، فقد دأب على طرح نفسه كوجه ديمقراطي ورمز إصلاحي، في الوقت الذي دعم فيه زعيم كتلة التيار الإسلامي المتشدد الموالي لطالبان "مولانا فوز الرحمن"، ليقود باكستان في عام 2002، واحتفظ بصداقة ودعم قائد الجيش الأسبق الجنرال "حميد غول" المسؤول المفترض عن تأسيس حركة طالبان الأفغانية.
صحيح أن الرجل لديه الكثير من الأنصار في الشارع بدليل تلبيتهم دعوته المذكورة آنفا واصطدامهم بالشرطة، لكن معظم هؤلاء من البسطاء الذين استهوتهم خطبه الرنانة وشعاراته المدغدغة للعواطف خلال السنوات الماضية، ولا سيما حينما قال "لا نريد رئيسا يلعق أحذية الأمريكان"، أو حينما وصف حكام العالم الإسلامي بالدمى التي تديرها واشنطن، أو حينما طالب بالإفراج عن معتقلي جوانتنامو، ناهيك عن طرح نفسه قائدا للتغيير في باكستان أثناء موجة ما عرف بـ "الربيع العربي". وهو في هذا قد لا يختلف كثيرا عن النشطاء السياسيين الديماجوجيين الطامحين للسلطة في العالم العربي بأي شكل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي