صدمة الانتخابات الأمريكية .. الفرصة المطلوبة
مهما كانت التحليلات قبل فوز دونالد ترمب وبعده في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فهذا الفوز فاجأ العالم بالفعل، وبالطبع شكل صدمة كبيرة في البيت الأبيض، ناهيك عن الذهول في معسكر منافسته هيلاري كلينتون. المفاجأة والصدمة والذهول، تأتي كلها مع رؤية مشوشة للسياسة الأمريكية في عهد الرئيس الجديد. الحلفاء في الغرب الذين لم يدعوا مناسبة إلا وهاجموا فيها ترمب، يحاولون لملمة المسألة، لكن هذا لم يمنع مثلا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند من التحذير من مرحلة الغموض المقبلة، بينما يأمل رئيس البرلمان الأوروبي في "تعاون عقلاني" مع ترمب! ليسرع الاتحاد الأوروبي بدعوة الرئيس الجديد إلى قمة مع الإشارة الضرورية إلى العلاقات الأمنية والتجارية. وخلافا لكل القواعد المعمول بها، تأخر القادة الغربيون في توجيه التهنئة لترمب، ربما لأنهم بحاجة إلى وقت كي يفيقوا من الصدمة.
ورغم وضوح مواقف دونالد ترمب حيال كل القضايا المطروحة داخليا وخارجيا، إلا أن الأمر لن يكون كذلك تماما في المرحلة المقبلة، على مبدأ أن ترمب المرشح ليس بالضرورة يتطابق 100 في المائة مع ترمب الرئيس. وفي كل الأحوال، هناك حقيقة لا مجال أمام العالم بكل شرائحه (الحلفاء والأصدقاء والأعداء، وحتى المحايدين) إلا مواجهتها بأعلى مستوى من الجودة والعقلانية. لا شك أن الشعوبية التي جاءت بترمب رئيسا تؤرق قيادات كثيرة حول العالم، لكن المسؤولية تقع على هؤلاء، كي يفصلوا المبادئ والمشاعر والعاطفة، عن العمل السياسي. وهم بالتأكيد يعرفون هذه الحقيقة، خصوصا أن لا شائبة نالت من العملية الانتخابية الأمريكية، رغم محاولة يائسة من معسكر كلينتون التشكيك في هذه العملية، في اللحظات الأولى للإعلان غير الرسمي عن فوز ترمب.
ستكون السياسة الأمريكية أكثر وضوحا مما كانت عليه في فترة حكم باراك أوباما. والمخاطر الواضحة تبقى أقل أذى من المستترة. علما بأن المؤسسات الأمريكية (وإن سيطر عليها الجمهوريون أيضا في هذه الانتخابات غير العادية) تبقى كابحا لأي إدارة أمريكية في البيت الأبيض. دون أن ننسى، أن القيادات الحزبية الجمهورية لم تنتقد ترمب فحسب، بل وقفت ضده في الأسابيع الأخيرة، ما يعني أنه سيكون هناك توازن في صناعة القرار الأمريكي سواء ذاك الذي يختص بالساحة الداخلية أو الخارجية. مع التأكيد على أن الإدارة (وإن كانت تتشكل حسب رغبة الرئيس)، إلا أنها لا توفر ضمانات التوقيع الأعمى على كل شيء. حدثت في السابق تباينات بين الرؤساء وإداراتهم، كان آخرها بالطبع التباين الهائل في عهد أوباما نفسه.
لا شك في أن الأسواق أصيبت بهزة كبيرة في أعقاب الإعلان عن فوز ترمب، وهذا كان متوقعا، على أساس أن هذا الأخير أعلن سلسلة من المواقف الاقتصادية المخيفة حقا، تنال من العلاقات الاقتصادية مع بلدان كبرى، وذات تأثير كبير في الساحة الدولية. ومن المتوقع أن تواصل الهزة ضرباتها إلى حين وضوح الرؤية. دون أن ننسى (مرة أخرى)، أن كلام المرشح ليس بالضرورة أن ينسحب بمجمله على كلام الرئيس. وكما في السياسة كذلك في الاقتصاد، تحتاج الولايات المتحدة والعالم إلى مواقف تقلل من الاضطرابات الاقتصادية، في الوقت الذي لا يزال فيه العالم يتعافى من الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في عام 2008.
لا توجد على الساحة (حاليا) أي أداة يمكن أن ترسم معالم السياسة الأمريكية المقبلة، ليس من ضحالة الخبرة السياسية لترمب، ولا من آثار مواقفه الغريبة كمرشح، ولا من فرط شعوبيته فحسب، بل من عدم وجود رؤية سياسية - اقتصادية حقيقية له. وهذا يتطلب منح دونالد ترمب فرصة، وأيضا منح المؤسسات التشريعية الوطنية الأمريكية الفرصة. إنها مسؤولية وطنية لا تستطيع أي دولة طبيعية التنصل منها.