مجالات مبادري الأعمال الشتوية
في مناسبة اجتماعية جاء المضيف بأحد الوافدين من الجنسيات العربية لإعداد المشروبات الساخنة ووجبات الطعام وتقديمها للضيوف مع المقبلات، ويشمل ذلك تقطيع اللحوم وتجهيزها ومن ثم شيّها على الفحم وتقديمها ساخنة في وقت العشاء، وذلك مقابل مبلغ أكثر من ألف ريال وهو مبلغ كبير من وجهة نظري لمدة عمل لم تتجاوز ست ساعات، وقد أثنى الجميع على جودة الخدمة التي قدمها وتبادلوا رقم هاتفه للتواصل معه في المرات المقبلة. مضيف شعبي سعودي يظهر على وسائل التواصل الاجتماعي شدني بخدماته وأسلوب تقديمها وبراعته في إعداد المشروبات وتقديمها وفي إعداد وجبات الغداء والعشاء في المناسبات الاجتماعية في الاستراحات وفي المخيمات البرية مقابل مبلغ متناول من المال، وحمدت الله أن شبابنا انطلقوا في العمل في هذا المجال المربح والمدر للأموال في أوقات فراغهم وهو عمل لا يتعارض مع تحملهم لمسؤولياتهم في وظائفهم ومسؤولياتهم تجاه أسرهم بل إنه يدعم قدراتهم ويجعلهم أكثر قدرة على تحمل مسؤولياتهم وأكثر قدرة على مواجهة متطلبات الحياة.
في شمال شارع الأمير تركي الأول يتجمع كثير من الشباب على الرصيف للترفيه عن النفس حيث يجلسون على الأرصفة ويتبادلون الأحاديث ويتسامرون خصوصا في عطلة نهاية الأسبوع، واغتنم هذه التجمعات بعض الشباب المبادر بتقديم خدمات المشروبات الساخنة كالشاي والكرك وغيرهما ليحقق إيرادات مالية تعينه على ظروف الحياة، وهذا أمر أيضا يسرنا ويبشر بأن لدينا شبابا مبادرين في اغتنام الفرص الاستثمارية وإن كانت صغيرة، وكما هو معروف فهؤلاء المبادرون الصابرون عادة ما يكونون رجال أعمال عصاميين مستقبلا ويحققون نجاحات ينظر إليها كقدوات.
الشتاء كما هو معلوم ليس موسما للسفر إلى الخارج بل إنه موسم للتنزه في المتنزهات داخل المدن والكشتات خارجها في الصحاري والشعاب والأودية، وفي هذه الأنشطة السياحية الشتوية يتطلب الناس جملة من الخدمات والمواد التي يمكن أن تشكل فرصا استثمارية للشباب، ومن ذلك توفير المواد الغذائية والمواد اللازمة للكشتات والتخييم والترفيه والطبخ، ومن ذلك أيضا خدمات الضيافة وإعداد الولائم وغيرها.
مناطق السياحة الشتوية في بلادنا مقصد لأفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين كما أنها مقصد لمواطني دول مجلس التعاون ومن المهم تنميتها وتطويرها وتنظيمها وحث الشباب السعودي على اغتنام ما تقدمه من فرص وظيفية واستثمارية موسمية وذلك عبر التنسيق مع إمارات المناطق والمحافظات والبلديات والشركات الكبرى ذات الصلة بتوفير المنتجات والخدمات الخاصة بالسياحة الشتوية كأنشطة التخييم، ومسابقات التطعيس، وألعاب دبابات الأطفال والشباب، والأنشطة الرياضية، والبحث عن الفقع للتجارة أو المتعة، والأنشطة ذات الصلة بالموروث ومن ذلك أنشطة مزاين الإبل والأغنام والماعز، وسباقات الهجن والخيول وغيرها.
وخصوصا فيما يتعلق بالبحث عن الفقع يبدو لي حان الوقت لتنظيم هذه العملية خصوصا في الأماكن التي يتكاثر بها ولا يمكن دخولها لسبب أو لآخر ويقوم المواطنون بدخولها بشكل مخالف الأمر الذي عرض كثيرا منهم للعقوبات التي تشمل الغرامات المالية والسجن، ويبدو لي أنه يمكن للدولة وأصحاب الأملاك الخاصة من وضع رسوم للراغبين في البحث عن الفقع في الأماكن المحمية كما تفعل الدول الأخرى بمنح تراخيص للصيادين في مواسم معينة في الأراضي المحمية.
أيضا فيما يتعلق بتجارة الحطب الذي يقبل عليه المتنزهون في موسم الشتاء حيث البرد القارص ومتعة التجمع حول النار يجب معالجة موضوع الاحتطاب الجائر بالتزامن مع توفير الحطب المطلوب من خلال تحفيز أصحاب المزارع والأراضي المحمية الشاسعة لزراعة الأشجار المطلوب حطبها كالسمر والأرطى والغضا بحيث يغطي الإنتاج والمعروض حجم المطلوب سنويا، وبكل تأكيد تنظيم عملية الاستثمار في هذا المجال ستحد من حجم المخالفات والاحتطاب الجائر لهذه الأشجار التي بدأت بالانقراض في كثير من المناطق.
هيئة السياحة بقيادة الأمير سلطان بن سلمان دائما مبادرة وتقدم حلول تنظيمية وتطويرية ودائما تأخذ في حسبانها البعد الاقتصادي وتوظيف الشباب السعودية وتمكينه من استثمار الفرص الاستثمارية السياحية الدائمة والموسمية، وبالتالي فإننا نتوقع أن تتعاون مع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وإمارات المناطق، والبلديات في تصنيف الفرص الوظيفية والاستثمارية المتوقعة في السياحة الشتوية في المناطق كافة، ومن ثم توفير برامج ارشادية وتدريبية للشباب لاستثمارها بما يسهم في رفع مستوى معيشتهم من جهة، وفي رفع مستوى الخدمات والمنتجات التي تقدم للسياح في موسم الشتاء في مناطق المملكة كافة. أذكر أن متابعة لما يحققه من يعملون في سوق الخضار أدت إلى اتخاذ قرار سعودة الوظائف في سوق الخضار ليتمكن الشباب السعودي من اغتنام هذه الفرص ولكن مع الأسف لم ينجح هذا القرار لعدم تهيئة أسباب نجاحه، ولذلك علينا أن نستفيد من هذه التجربة في تهيئة الشباب السعودي لاستثمار الفرص الوظيفية والاستثمارية التي توفرها السياحية الشتوية ومتطلبات النجاح في هذه الوظائف والاستثمارات لتحقيق الأرباح وتقديم خدمات ذات جودة عالية تلبي توقعات طالبيها.
يجب أيضا أن نحمس الشباب لاستثمار هذه الفرص الوظيفية والاستثمارية بتبيان حجم الجهد والوقت المطلوب وحجم الإيرادات المتوقعة مقابل حجم الجهد والوقت المبذول والإيرادات المتوقعة من الوظائف الاعتيادية، ليعرف الشباب أنه يمكن لهم أن يحققوا إيرادات كبيرة تمكنهم من أسباب العيش الكريم باغتنام هذه الفرص الموسمية التي تحقق كثيرا في وقت قصير متى ما أتقنوها معرفة ومهارة وسلوكا.
ختاما أتطلع إلى مبادرة مشتركة تقودها هيئة السياحة بالتعاون مع الشركاء ذوي الصلة لتنظيم وتطوير السياحة الشتوية بمجالاتها كافة وتمكين شبابنا من استثمار فرصها الوظيفية والاستثمارية ليزيد أعداد المبادرين في مجالاتها بشكل سنوي حتى نصل إلى ما نصبو إليه من سعودة كاملة لفرصه الاستثمارية والوظيفية كافة.