بازار في المدرسة
حين أخبرتني ابنتي بعزم مدرستها على إقامة "بازار" للطالبات، تقوم فكرته على تأجير طاولات بمبلغ رمزي للراغبات منهن في عرض بضائعهن أمام زميلاتهن ومعلماتهن للشراء منها، طالبة مني أن أسمح لها بالمشاركة. لن تتخيلوا حجم السعادة التي غمرتني لحظتها، وربما لا أكون مبالغة إن أخبرتكم أنني تحمست أكثر منها!
تشجيع الطالبات الصغيرات من خلال هذه الأنشطة اللامنهجية ربما يكون تأثيره أكبر وأعمق أحيانا من مقرر منهجي تختبر فيه الطالبة في نهاية العام ثم "تتبخر" معلوماته من عقلها قبل نهاية العطلة، لكن مثل هذه الأفكار تمنح الطالبة الثقة بالنفس وتكسبها عديدا من الخبرات الاجتماعية من خلال تعاملها مع زميلاتها ومعلماتها بمحبة وتعاون وحسن لباقة، والتعرف على أذواق الناس المختلفة، والتعرف على طرق البيع والشراء، وكيفية تقدير المصروفات والربح المتوقع، وكذلك طرق تسويق البضاعة بالشكل الذي يجذب المتسوقات، بل ربما تكون هذه الأنشطة بمثابة البذرة التي ترقد في أعماق أنفسهن وتنتظر الوقت الملائم الذي تشق فيه تربة الواقع لتخرج للنور!
مثل هذه الأنشطة ستسهم في تغيير الأفكار التقليدية لعديد من الطلاب والطالبات على المدى البعيد بكون الوظيفة الحكومية هي الخيار الوحيد بعد التخرج في الجامعة، وهذا مع الأسف ما جعل عديدا من شبابنا وشاباتنا يهدرون سنوات من أعمارهم ويعطلون طاقاتهم الكامنة بحجة عدم وجود وظائف حكومية، رغم أني أؤمن يقينا أنهم لو بحثوا جيدا في أعماقهم لعثروا على تلك البذرة الحلم، لكن خوفهم من ثقافة "العيب" قتل الحلم في تربته!
مثل هذه الأنشطة الجميلة التي تقام بين فترة وأخرى في المدارس تظل اجتهادات فردية يشكر عليها أصحاب الهمم والمحفزون من قادة المدارس، لكن لو تحولت إلى أنشطة مدروسة ومقررة من قبل وزارة التربية والتعليم فستكون فائدتها أكبر وأعمق أثرا، وهو ما سيتيح لكثيرين من قادة المدارس تبادل الخبرات بينهم وتفعيل هذه الأنشطة للاستفادة القصوى منها، وستدفع بأبنائنا وبناتنا إلى التنافس وإظهار مواهبهم المتعددة وإبراز الفنون التي يجيدونها في مختلف الهوايات، من طهي وتصميم وتأليف وتقنية ورسم وأشغال يدوية وابتكارات علمية... إلخ.
سنظل نحلم أن يأتي ذلك اليوم الذي تحظى فيه مثل هذه الأنشطة اللامنهجية باهتمام يوازي المقررات المنهجية!
وخزة
يقول مؤسس سنغافورة لي كوان لي (كانت سنغافورة في الستينيات تعج بالمرض والفساد والفقر والجريمة، وقال الجميع الإصلاح مستحيل لكنني التفت إلى المعلمين وكانوا في بؤس وازدراء، فمنحتهم أعلى الأجور وقلت لهم: أنا أبني لكم أجهزة الدولة، وأنتم تبنون لي الإنسان).