دمج جهات التقويم
رغم أهمية جهات "التقويم" المحايدة في تقييم الأداء التعليمي وتقويمه بما يضمن تصحيح المسار، واكتشاف الخلل مبكرا، ورفع مستوى الأداء، إلا أننا إلى الآن لم ننجح في تأسيس وصناعة مؤسسات متخصصة في هذا المجال. ربما كان انشغال المجتمع في نشر التعليم سابقا أحد الأسباب التي أدت إلى إهمال مؤسسات تقويم التعليم المحايدة والمتخصصة، وبالتالي ما زلنا نسير في الاتجاه البطيء ذاته نحو عمليات التطوير التي تتسارع بشكل مذهل في معظم دول العالم.
قبل سنوات أنشئت "هيئة تقويم مؤسسات التعليم العالي" وأعلنت أنها بصدد استقطاب
الكوادر وتقديم عمل مؤسسي متميز وخطط واستراتيجيات قصيرة المدى وبعيدة المدى، لكنها اختفت بعد جملة من التصريحات الرنانة، ولم أعثر لهم على جهد يستحق الذكر سوى بعض الزيارات الميدانية والصور التذكارية، ولا أعرف سببا محددا لتعطيل هذه الهيئة؟ أين هي الآن؟ ولماذا توقفت؟ أين ميزانياتها ومشاريعها؟
وقد تبع إعلان "هيئة تقويم التعليم العالي" إعلان تأسيس هيئة أخرى تحت "مسمى هيئة تقويم التعليم العالي" واختير لها أحد قياديي وزارة التربية والتعليم سابقا.
وخلال السنوات الماضية قرأت لمسؤوليها عشرات التصاريح عن خطط واستراتيجيات ومشاريع جبارة تشمل كل معلم ومدرسة وإدارة تعليم.
لكنها لا تختلف عما أعلنته سابقا "هيئة تقويم مؤسسات التعليم العالي" فالهيئتان ظهرتا في الإعلام واختفتا في الميدان، حيث التحديات الضخمة التي تتطلب العمل الميداني.
والرقابة والمتابعة من كثب لإصدار الحكم الصحيح على منظومة العمليات التعليمية في التعليم العام أو التعليم العالي، وهو أمر شاق لا يمكن أن يتحقق من خلال العمل المكتبي أو التصريحات الإعلامية.
أما الركن الثالث في عملية تقويم التعليم فكان مركز "قياس" الذي تكفل بقياس المهارات المعرفية والعلمية لطلاب بعض المراحل، لكن المركز فشل في تحقيق النتائج المرجوة، وتشتت جهوده، حيث أصبح التركيز على الربح من خلال جمع الرسوم المقررة من كل طالب وطالبة ومن ثم الموظفين والموظفات، وانحصرت جهوده على الاختبارات التقنية التي لا تعد مقياسا كافيا لتقييم كفاءة المتقدمين لكننها المخرج الوحيد للمركز للتعامل مع ملايين الطلبة والطالبات كل عام، ولا يهم النتائج في نظرهم طالما تمكن المركز من اختبار كل طالب وطالبة من خلف الشاشات وأسئلة الاختيارات العشوائية.
وطالما أصبح لدينا هذا الهاجس كمجتمع في تطوير التعليم بشقيه العام والعالي فلا يمكن تحقيق ذلك دون عمليات تقويم محايدة ومتخصصة، وأعتقد أن هذه الجهات المتشتتة التي تعمل بمعزل عن الأخرى، رغم أنها تأسست من أجل هدف واحد قد حان الوقت لدمجها في كيان مؤسسي قوي قادر على مباشرة مهامه وتحقيق أهداف التقويم الصحيح لتطوير منظومة العمليات التعليمية بشكل جذري ومتصاعد، كما يحدث في كل دول العالم.