رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الصخري المظلوم والتقليدي المكلوم

لم تكن السوق البترولية في يوم ما خالية من المنافسة غير الشريفة ولا من التدخل المبطن بالسياسة. وهو وضع على وشك الزوال، بعد طول بقاء. فبمجرد ما يزيد الطلب العالمي على كميات الإنتاج المتوافرة لدى جميع المنتجين، وهو أمر وارد، سوف تتغير الصورة ويصبح العرض والطلب هما سيدَيْ الموقف. في الماضي، كان التدخل الذي يؤثر في الأسعار غالبا ما يكون هدفه تخفيض السعر، أو كما يصفونه، بكبح جماح الأسعار. ومن المؤكد أن ينتهي هذا الدور خلال أقل من عقدين وتصبح السوق حرة تماما من كل تدخل لا يخدم مصالحنا نحن المنتجين. وهذا عكس ما يتوقعه بعض المحللين من أن الطلب على البترول سوف ينخفض وينزل معه السعر، وهو ما لا يؤيده الوضع الحالي للحقول المنتجة. اتهام إنتاج البترول الصخري الأمريكي بأنه السبب الرئيس في تخمة المعروض التي أدت إلى تخفيض الأسعار منذ منتصف 2014 فيه كثير من المبالغة وفيه إجحاف بحق البترول التقليدي الذي يمد العالم اليوم بنسبة كبيرة من الطاقة ويستحق سعرا أعلى. فالصخري حتما لم يكن المتسبب الوحيد في حدوث التخمة في الإنتاج، كما تصوره وسائل الإعلام. ولو تتبعنا حركة الإنتاج العالمي خلال عام 2014، لوجدنا أن أكثر من دولة رفعت إنتاجها رغم علمهم أن إنتاج الصخري يرتفع سنويا بمقدار مليون برميل. ولو أن كل منتج ظل على ما كان عليه قبل أزمة نزول الأسعار لما حصل ما شاهدناه من تدهور سعري كبير في السوق البترولية. ولكانت الزيادة السنوية في الطلب، التي لا تزال تزيد على مليون برميل، كفيلة باحتواء الارتفاع الطبيعي في إنتاج الصخري. وكان من المعلوم لدى المتخصصين أن إنتاج الصخري الأمريكي كان على وشك بلوغ الذروة. ولظلت الأسعار عند أو قريب من مستواها في أوائل عام 2014. ومن باب إضافة معلومة، فإن البترول الصخري الأمريكي لا تتحكم فيه الدولة ولا شركة واحدة، بل أكثر من 200 شركة إنتاج أهدافها تجارية بحتة. ومن جهة أخرى، فإن ما حدث في السوق من ارتباك أطاح بالسعر إلى مستويات متدنية لا يمكن أن يكون فقط رد فعل لوجود فائض بسيط كان في حدود 2 في المائة من الإنتاج العالمي. إذ لا بد من وجود عوامل أخرى لعبت دورا رئيسا في الضغط على الأسعار لأسباب لا تزال مجهولة. ونحن لا تهمنا كثيرا تلك الأسباب. ولكن الذي يهمنا ويشغل بالنا هو قبول جميع المنتجين بهذا الوضع غير الطبيعي. ولماذا تحاول كل جهة منتجة ضخ أكبر كمية ممكنة من البترول في السوق في وقت غير مناسب على الإطلاق؟ وهم، دون أي شك، يدركون تماما أن تخفيض الإنتاج ولو بنسبة قليلة سوف يساعد على رفع الأسعار وإعادتها إلى مستواها السابق لمنتصف عام 2014.
هناك ظاهرة تستدعي الوقوف عندها، وقد تحدثنا عنها كثيرا في مناسبات سابقة. وهي من الأسباب الرئيسة التي حالت دون التعاون المثمر بين المنتجين. فكثيرون لا ينظرون إلى البترول الناضب كسلعة استراتيجية لها أهمية قصوى في هذا الوجود. ولا يفرقون بينها وبين أي سلعة مصنعة من الممكن إعادة تصنيعها وتوفيرها مدى الزمن. صحيح أن البترول ليس له الأهمية عند البعض مثل أهميته بالنسبة للشعوب التي يعتمد دخلها حصريا على البترول، ومن ضمنها شعوب الخليج. فهناك كثير من الدول التي لديها، إلى جانب البترول، مداخيل كبيرة واقتصاد قوي لا يعتمد على البترول. ولكن بصرف النظر، فالبترول مصدر ناضب ويجب أن يعامل كذلك، فلا نسرف في استهلاكه واستنزافه تحت أي ظرف من الظروف. وهو ثروة ثمينة بالنسبة للعالم أجمع. بل هو هبة من الله للمجتمع الدولي. والظاهرة التي نحن بصددها هي تصنيف كثيرين لأي توقف في الإنتاج أو تخفيض كمياته على أنه خسارة. مع أنه باق في مأمن تحت الأرض وقابل للاستخراج في أي وقت نشاء. والأحرى أن أي توقف في الإنتاج نحسبه من المكاسب، لأن ذلك يقلل الهدر الذي ما أمر الله به.
أما الأمر الذي يبعث على الاستغراب ويحتاج إلى دراسات وبحوث، فهو تصميم معظم المنتجين على عدم تخفيض الإنتاج ولو بنسبة متواضعة كي يعود السعر إلى الارتفاع. نحن نعلم أن أول عقدة هي تفكيرهم في أن التخفيض يعني خسارة إنتاج. مع أن كمية التخفيض، كما ذكرنا آنفا، لن يفقدوها بل ستظل كامنة في أرضها للمستقبل. وتناسوا أيضا أن تخفيض الإنتاج يجلب لهم سعرا أعلى ودخلا أكبر. فأين الحكمة والمنطق؟ وهل ترضى الدول المصدرة للبترول أن ينتقل قسم كبير من دخلها إلى دول صناعية متقدمة وتمتلك ثروات هائلة، وبإمكانها أن تتقبل سعرا أعلى؟ فقد لاحظنا خلال الأشهر الماضية زيادة مستمرة في إنتاج دول "أوبك" أسهمت في منع الأسعار من أن تنهض وتعود إلى الارتفاع، كما كان يتوقع بعض المحللين والمسؤولين. فلا بد من أن للموضوع تفسيرا نحن لا نعلمه. وستظل الأحوال على حالها لزمن، طال أم قصر، حتى تقرر الدول المعنية تخفيض إنتاجها لإزالة الفائض في السوق البترولية وتعود الأمور إلى سابق عهدها. والسؤال المطروح على الساحة اليوم، هو ما الذي نتوقعه من اجتماع "أوبك" خلال الشهر الجاري، رغم أن إنتاج دول "أوبك" لا يمثل إلا ثلث الإنتاج العالمي؟ والأرجح، والعلم عند الله، ألا يكون هناك اتفاق ذو قيمة، إذا لم يكن اتفاقا على تخفيض الإنتاج، وهو بعيد الاحتمال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي