أدوات حاضرة لـ «رؤية 2030»

هناك كثير من التحديات الاقتصادية أمام المملكة، وهناك أيضا تطورات ومستجدات يمكن اعتبارها تاريخية على هذا الصعيد، ولا تخص السعودية فحسب بل العالم أجمع، خصوصا البلدان التي كانت تعتمد على النفط كمصدر رئيس للدخل القومي لها. ومع المتغيرات هذه، تتباين مستويات المواجهة بين بلد وآخر، وفق الرؤى والاستراتيجيات والقدرات المالية المتوافرة، يضاف إليها بالطبع السمعة العالمية. فالفارق كبير بين بلد يعاني انخفاض وضعيته الائتمانية، وآخر يتلهف المستثمرون حول العالم على أن تكون لهم حصة في السندات التي يطرحها. وهذا ما حدث "مثلا" أخيرا، عندما طرحت المملكة سنداتها في الأسواق العالمية. ماذا حدث؟ قدمت لها أضعاف المبلغ الكلي لهذه السندات. ولذلك، فإن التحولات الاقتصادية سواء الإيجابية أو السلبية، تختص أساسا بالقدرة على التعاطي معها.
محمد بن عبد الله الجدعان وزير المالية الجديد أكد في الواقع حقيقة الوضع المالي للمملكة، وهو قوي ما يوفر لها الأدوات المطلوبة لمواجهة التحديات وتجاوزها، وهذا ما أكدته المؤسسات الدولية المحايدة أيضا على مر الأشهر الماضية. وحتى تلك التي "غمزت" بإشارة سلبية ما، لم تلبث أن عادت لتؤكد القدرة المالية للسعودية على مواجهة المتغيرات، وجدوى التحول الاقتصادي لها من خلال "رؤية المملكة 2030" الذي يستهدف بناء اقتصاد وطني جديد، يتماشى مع المتغيرات والمستجدات حتى المفاجآت. والـ "رؤية" دفعت حكومات ومؤسسات كبرى حول العالم لأن تعلن رغبتها في أن تكون جزءا منها من خلال المشاركات الاستثمارية التنموية التي تتضمنها. وهذه أيضا نقطة واضحة على ما تتمتع به المملكة من سمعة وثقة على الساحة العالمية.
والحقيقة أن القائمين على التحول الاقتصادي لم "يزينوا" الأمر، بل طرحوه كما هو ووفق ما هو متوافر حقا، لا على أساس الوهم الذي مارسته بعض الحكومات "حتى في البلدان الغربية" ما أدى إلى تفاقم أزمات اقتصادية متكررة أو أزمة واحدة كبيرة متواصلة. الوضع مختلف في بلد كالمملكة، فالنمو متماسك ومتصاعد، وبرامج الإصلاح الاقتصادي تمضي قدما دون أن تحدث أي اضطراب على الحراك العام. والتحولات الاستثمارية بدأت تظهر بوضوح، ليس فقط من ناحية تعدد الجهات التي تستثمر أو تلك التي دخلت السوق السعودية فعلا، بل أيضا من خلال تعدد القطاعات، بل دخول قطاعات كانت تعتبر "منسية" في السابق إلى الساحة الاستثمارية، وفق رؤية تحاكي المستقبل بأعلى مستوى من الوضوح.
الوزير الجدعان يمضي قدما في مهامه، وهو - كما يقول - مستند إلى «رؤية» واستراتيجية ومخططات واضحة المعالم، وآليات كفيلة بإتمام المهام على أكمل وجه. كما أن القيادة في المملكة توفر كل ما يلزم لتحقيق النتائج، إلى جانب استكمال بناء الاقتصاد السعودي الذي يحاكي استحقاقات العقود المقبلة. فالتحولات لم تأت بسبب تراجع تاريخي هائل لأسعار النفط، بل من ضرورة التغيير الاستراتيجي، علما بأن هذا التراجع أسهم في تفعيل الحراك نحو التغيير. السنوات القليلة المقبلة ستشهد صناعة جديدة لاقتصاد سعودي وطني جديد، بكل تحولاته، بما فيها تقليل الاعتماد على النفط في الدخل القومي، وتنويع مصادر الإنتاج والدخل، واستغلال كل المقدرات الوطنية من كوادر وفرص لدعم حراك التحول.
ولا يبدو أن المملكة ستتوقف عند هذا الحد، فـ «الرؤية» التي طرحتها تتضمن أيضا محاكاة المشاكل أو الأزمات التي قد تظهر بعد عقود. أي أنها تبني اقتصادا، ومعه محصناته أيضا، في عالم متغير فعلا على الساحة الدولية، خصوصا على الجانب الاقتصادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي