إحباط الموظف .. وخسائر الإنتاجية
تتكالب الظروف المؤدية إلى الإحباط عندما يشعر الموظف بعدم اهتمام جهة عمله ويعيش في الوقت نفسه ظروفا اقتصادية صعبة لم يتعامل معها سابقا؛ أو حين يسمع ما يهدده دون تفاصيل كافية لمواجهة هذا التهديد. يتفاقم الأمر مع قلة الحيلة المهنية فكفاءاته وجداراته لا تخرجه من المعضلة التي يجد نفسه فيها، ولا ينكر أحد تأثير المحسوبيات والواسطة والتجاوزات الأخلاقية وربما مدير سيئ لا يشعره حتى بالحد الأدنى من الاحترام. ولكن على الرغم من أن المثال الجيد الذي يحظى بمناعة جيدة ضد هذه التحديات ويعرف كيف يقاوم الإحباط موجود بيننا، إلا أن هذا لا يصنع لنا حق تأنيب الشخص المعرض للإحباط بطريقة ساذجة وتوجيهه لاتباع مسار الشخص الجيد دون تقدير لوضعه الحساس والصعب، لا بد من خريطة طريق متقنة فيها مراحل انتقالية معقولة أو وصفة علاجية تراعي مدى تطور حالته.
هناك فئات منتجة تتكالب عليها الضغوط وهي ليست بحاجة إلى مزيد منها. لن يأتي الحل بصنع مزيد من هذه الضغوط. سواء كان الأمر مجرد توتر مؤقت أو إحباط مستمر أو حتى اكتئاب مرضي يخرج من دائرة العمل ويمتد لأسرة الموظف وحياته الشخصية، تجتمع كثير من المسببات الشخصية والبيئية ويزيد منها نقص الحلول والبرامج المساعدة المحفزة التي يمكن الوصول إليها والاستفادة منها.
عندما نقرأ عن الإحباط المرتبط بالوظيفة، تجد من يربطه بالبيئة المحفزة في دائرة الموظف الصغرى أو بأسباب داخلية متعلقة بالبناء المهني للموظف أو خارجية يتأثر فيها بما حوله من ظروف ومتغيرات. وجود أحد هذه العوامل يكفي لصنع التدهور النفسي والإنتاجي عند الموظف. مع الأسف تجتمع اليوم معظم هذه العناصر عند فئة ليست بالقليلة بيننا. وأنا لا أتحدث بالضرورة عن موظفي الجهات الحكومية الذين فقدوا جزءا من منافعهم، أو عن جزء غير منتج منهم، فالقطاع الخاص أيضا يواجه مشكلاته الخاصة سواء في نطاق العاملين الفنيين في بعض المجالات أو في المجالات الإدارية عموما. لا أحد – حتى المبدعين والناجحين- بمنأى عن التعرض للمشكلات المسببة لإحباطات العمل والأداء.
تنطلق الحلول من ثلاث زوايا محددة، أولا، زاوية الموظف نفسه وهو المسؤول الأول عن حياته الوظيفية والشخصية. والثانية زاوية المسؤول عن الموظف، أي كل رئيس مكلف برعاية غيره في مكان العمل. والثالثة زاوية الجهات المسؤولة عن صحة الحياة الوظيفية في القطاعين الخاص والعام. أما الموظف فهو مطالب بإدارة حياته الوظيفية بأفضل شكل ممكن، وإن تعرض لتداعيات الفشل أو القهر أو صعوبة اتخاذ القرار، فهناك قائمة طويلة من الحلول التي ينادي بها خبراء الموارد البشرية وعلماء النفس لمواجهة الإحباط وإغلاق مداخله، تدور حول التجديد والتغيير وإيجاد الدعم والابتعاد عن الدوائر السلبية. مفتاح هذه الحلول هو التشخيص السليم، أي أن يتمكن الفرد من معرفة ما يواجهه، هل هو مجرد توتر مؤقت أم اكتئاب مرضي؟ وهل تكفل له خطته الوظيفية الجديدة الخروج من هذا المأزق أم أن الأمر يستدعي الحصول على علاج طبي؟ لا شك أن شجاعة طلب المساعدة من المختصين ستصنع الفارق وتقلل من الفترة الزمنية للمشكلة والآثار المصاحبة لها.
من جانب آخر، يتحمل المدير المسؤول جزءا من المشكلة إذا لم يعتن بموظفيه كما يجب. تقاعسه عن تطوير المهارات التي يتفادى بها وقوع مرؤوسيه في المشكلات إهمال جسيم يستحق عليه العقاب. اختلفت تحديات الجيل الجديد من الموظفين عن سابقيها، ولهذا وجب على المدير كذلك تعلم مزيد من أحدث طرق التحفيز والاحتواء تحقيقا لأهداف عمله وإتماما لمسؤولياته الإشرافية والإدارية. وكذلك يأتي دور الجهات المسؤولة سواء كانت تشريعية أم تنفيذية، فمهمتهم تشمل واقع سوق العمل وكفاءة أفراده ومنشآته. لن تتحق أهداف رفع الإنتاجية دون إعطاء هذه الجوانب حقها من وسائل الوقاية وآليات التشخيص والعلاج.
من الطبيعي أن يتعرض أي موظف للتوتر الشديد أثناء العمل. ولكن تجاهل الأسباب التي تحول هذا التوتر إلى إحباط أو حتى اكتئاب شديد لا يقلل من الإنتاجية فقط، بل يدمر وحدة إنتاجية كاملة وربما تنتشر آثار هذه الحالة المريعة إلى الزملاء في العمل والأطفال في المنزل، هذا يهدد أهم وحدتين في المجتمع، الأسرة والمنشأة. محاربة الظروف النفسية السلبية في أماكن العمل من أوجب الاهتمامات المتعلقة بتطوير الإنتاجية على المستوى الوطني، ينبغي السيطرة عليها وتذليل صعوبات التعامل معها من طرف الموظف وكل مسؤول عن هذا الموظف.