آليات وعوامل صناعة قرارات المجالس
في المجالس الرسمية التي تناقش فيها مواضيع يلزم اتخاذ قرارات بشأنها، كمجالس الشركات، أو المجالس الأكاديمية في الجامعات، كمجالس الأقسام، والكليات، والمجلس العلمي، أو مجلس الجامعه تدور نقاشات حامية بشأن بعض المواضيع، حتى أن المراقب الخارجي لو قدر له الحضور، وسماع النقاشات بين الأعضاء لذهل من قوة النقاشات، وحدتها في بعض الأحيان، وربما يتبادر لذهنه أن المجلس قد لا يتخذ قرارا بشأن الموضوع، ويحدث تأجيل الموضوع وترحيله لجلسة أخرى، لمزيد من المعلومات، أو لضيق الوقت، أو لتهدئة النفوس نتيجة الخلافات بشأن الموضوع.
الحديث عن آليات اتخاذ القرار بصورة جماعية، كما في حالة المجالس، وليس بصورة فردية يتطلب استحضار العوامل النفسية لكل عضو من أعضاء المجلس، ودورها في توجيه النقاش، بما يخدم اتخاذ القرار المناسب، أو عكس ذلك، فالبعض ربما يسعى لاتخاذ قرار لا يخدم المصلحة العامة للمؤسسة، أو للمجتمع.
ما يصدر من قرارات غريبة تتطلب البحث والاستقصاء لمعرفة الحيثيات التي أسهمت في صدورها، وما من شك أن التباين الموجود بين أعضاء المجلس في أعمارهم، وخبراتهم، وخلفياتهم الثقافية، والمستويات التعليمية، ومصالحهم الشخصية، وطريقة تفكيرهم، إضافة إلى الهواجس والمخاوف الذاتية مما قد يترتب على القرار، كل هذا يسهم في صناعة القرار، وصياغته.
المؤكد أن الأجيال تختلف في طريقة التفكير، وما قد يكون مقبولا لجيل قد لا يكون كذلك لجيل آخر، ما يؤثر في القرار حين تتباين الرؤى، فكبير السن يقيس الأمور على ما ألفه، لكن الأصغر سنا ينظر من زاوية مغايرة كليا، إذ يأخذ في الاعتبار مستجدات العصر وما طرأ على حياة الناس من تغيرات، سواء في نمط لباسهم، أو أكلهم، أو علاقاتهم بالآخرين، أو في الأنشطة والهوايات.
التداخل بين العمر والخبرة موجود، فكبير السن يفترض أن له باعا طويلا في المواقف والخبرات لتنوع الظروف والحالات التي مر بها، في حين الصغير في السن أقل خبرة، لكن هذا ليس على الدوام، فأحيانا يجتمع في إدارة واحدة، أو مجلس اثنان في العمر نفسه إلا أن أحدهما يفوق صاحبه في الخبرات، نظرا لأنه تعرض لخبرات متنوعة صقلته، وجعلت من رؤيته الأقرب والأصوب في خدمة المصلحة، ولذا مثل هذه الخبرة العريضة، والمتنوعة تسهم في صناعة القرار.
الخلفية الثقافية يظهر أثرها في صناعة القرار عندما يكون من بين أعضاء المجلس ذو خلفية ثقافية، واجتماعية مختلفة كأن يكون من بلد آخر، فقياساته للأمور تتأثر بخلفيته السابقة التي جلبها معه من موطنه، والتي أسهمت في تقييمه الأمور وطريقة تفكيره، حتى أن جهله بالمكونات الثقافية، والموروثات الاجتماعية يجعله يقترح أمورا مرفوضة، وغير مقبولة من وجهة نظر المجتمع الذي جاء للعمل فيه مستشارا، ومخططا، وهذا ما أفشل كثيرا من خطط التنمية التي تبنتها بعض الدول نزولا عند رأي مركز بحث، أو دار استشارات عالمية.
المستوى التعليمي له دوره في صناعة القرار، بغض النظر عن نضج القرار من عدمه، فكلما ارتقى المستوى التعليمي لمن يسهمون في صناعة القرار، زاد من فرصة اتخاذ قرار مناسب، وناضج، فالمعرفة الواسعة المتعمقة في المجال لها دور بارز في تهيئة اتخاذ القرار الجيد، وتكشف ما يخفى على البعض، ومن ثم تتشكل قناعات مختلفة لدى الأعضاء، وكم سمعنا من أعضاء لجان ومجالس تراجعوا عن قرارات أيدوها بمعرفتهم بعض الحقائق التي كانوا يجهلونها.
من العوامل الأساسية في التأثير في صناعة القرار المصالح الشخصية، وما من شك أن أي مجلس توجد مصالح تجمع بين أعضائه أو تفرقهم، ما يؤدي بكل فريق إلى السعي جاهدا لاتخاذ قرار يخدم مصالحه، ولذا يحتدم الصراع بين الأعضاء بهدف توجيه النقاش، وتقديم الحجج المؤيدة للقرار بصيغة دون الأخرى، وكما يقول المثل الشعبي (كل يحوش النار لقريصه).
خصائص الشخصية من انفتاح وانغلاق، وشك، وثقة، وحذر، كلها عوامل تسهم في التأثير في صناعة القرار، ذلك أن الآليات النفسية للدفاع عن الذات، وحمايتها تتحرك متدثرة بالعلمية تارة، وبالموضوعية تارة أخرى، وبضرورة احترام التخصص والخبرة مرة ثالثة، وما كل هذا إلا محاولة للهروب من المساهمة في اتخاذ قرار يعتقد فرد أو مجموعة إمكانية تضررهم منه في يوم من الأيام.