متانة الاقتصاد السعودي تواجه تحديات المرحلة

الاقتصاد بشكل عام يرتكز على مفهوم الثروة والدخل، وهو يعني قيمة كل ما يمكن استخدامه من موارد حالية لتعظيم القدرة على الاستهلاك مع بقاء قيمة الموارد كما هي قبل الاستهلاك وبعده. هنا تدور ألغاز الاقتصاد كلها، فالتحدي الذي يواجهه كل من يدير اقتصادا سواء على المستوى الكلي أو الجزئي هو كيف يتم توفير موارد قادرة على منحك دخلا قابلا للاستهلاك من أجل البقاء والتمتع بالرفاهية، ولكن هذا الاستهلاك يجب أن يتم بشرط بقاء مواردك قادرة على منحك دخلا جديدا للاستهلاك المستقبلي والمتجدد. وهنا تدور الأسئلة عن كيفية الموازنة بين النفقات الجارية التي تدعم الاستهلاك وبين النفقات الرأسمالية التي تسهم في نمو الموارد لضمان نمو الدخل مجددا ومعه تنمو القدرة على الاستهلاك المستقبلي. هنا نفهم عبارات مثل الناتج الوطني الإجمالي، ونعيش معنى الموارد الاقتصادية المتاحة، ونفهم لماذا علينا الترشيد في استهلاك الدخل في مراحل معينة، ومصطلحات اقتصادية أخرى مثل الإنفاق الرأسمالي والإنفاق الجاري، وكيف علينا توجيه جزء كبير من الدخل الناتج لنا من استخدام مواردنا الحالية إلى الإنفاق الرأسمالي لدعم قدرة مواردنا على إنتاج دخل كاف في المستقبل من أجل تعزيز الإنفاق الجاري، وهكذا في دورات ميكانيكية لا تكل ولا تمل ولا ترحم من يسيء التقدير فيستهلك كل موارده في متع اللحظة ليبقى ملوما مخذولا في المستقبل.
على هذه الأسس يمكن الحكم على اقتصاد ما أنه متين بما يكفي لأن يتفادى فترات التراجع في قدرة موارده على إنتاج دخل يغطي حجم استهلاكه، ومن ثم إعادة هيكلة الإنفاق الاستهلاكي لتعزيز قدرة الموارد الاقتصادية من جديد حتى يستطيع الاقتصاد العودة مرة أخرى إلى دعم الاستهلاك، فهي موجات اقتصادية يعتقد أهل الاقتصاد حتمية وجودها، وأي اقتصاد متين يستطيع تفادي أضرارها ببراعة التخطيط والقراءة الجيدة للموقف. والاقتصاد السعودي مصنف كاقتصاد متين قادر على مواجهة التحديات المحلية والدولية، وهذا ما أكده مجلس الوزراء، وأن المملكة تتمتع بقوة اقتصادية دلت عليها قدرة المملكة على مواجهة تحدي انخفاض أسعار النفط كمصدر أساسي للدخل، والمحافظة على مساحة جيدة في المالية العامة، وعلى استقرار احتياطياتها وانخفاض مستوى الدين، كما أن القطاع المالي يتمتع بميزانيات قوية حققت المعايير الدولية مثل معايير "بازل 3" التي تتضمن مؤشرات السلامة المالية المتينة. وإذا كانت المؤشرات الاقتصادية تؤكد متانة الاقتصاد السعودي، فإن الثقة العالمية بالاقتصاد السعودي تقدم تأكيدا آخر، فهذا الإقبال الكبير على السندات الحكومية السعودية، وما أكدته تعليقات المنظمات والمؤسسات الدولية وانطباعاتها عن حجم الإقبال على شراء السندات، كل هذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك متانة وقوة مرتكزات الاقتصاد السعودي، وأن مسارات إعادة هيكلة الإنفاق الحالية تمثل إجراءات سليمة اقتصاديا من أجل تعزيز القدرات الكامنة في الاقتصاد لتعظيم الاستهلاك في المستقبل بما يحقق الرفاه الاجتماعي المنشود، ولكن مع شرط بقاء الموارد غنية وقادرة على دعم ذلك الاستهلاك في حينه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي