إعادة التوازن بحاجة إلى خفض كبير في الإنتاج
على مدى العامين الماضيين، تبدل مشهد إمدادات النفط الخام العالمية، وجلب هذا التحول بعض الفوائد وعديدا من المصاعب للمنتجين. قرار "أوبك" في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 بعدم خفض الإنتاج – الذي أبقى عليه في اجتماعاته اللاحقة – أدى إلى تضخم الإمدادات العالمية، ما دفع أسعار النفط إلى القاع. بعد مرور عامين تقريبا، قبل الاجتماع غير الرسمي لـ "أوبك" في الجزائر، لم يكن بمقدور خام برنت الحفاظ على أسعار عند 50 دولارا للبرميل.
الطلب على النفط بالكاد يستعيد عافيته، ولكن السبب الحقيقي يبقى فائضا كبيرا في الإمدادات. في شهر آب (أغسطس)، كان إنتاج النفط العالمي 96.9 مليون برميل في اليوم، فقط 300 ألف برميل في اليوم أقل من الفترة نفسها من العام الماضي. إن هذا النوع من تراجع الإمدادات لم يكن أحد يتوقعه عندما بدأت أسعار النفط تتهاوى. هذه الطبيعة الصلبة من وفرة الإمدادات تواصل إحباط المحللين. في شهر كانون الثاني (يناير)، قالت وكالة الطاقة الدولية إن أسواق النفط ستعاني وفرة في المعروض في النصف الأول من العام تصل إلى 1.5 مليون برميل في اليوم. وفي وقت لاحق خفضت الوكالة هذا التقدير إلى 0.8 مليون برميل في اليوم وقالت إن الأسواق في طريقها إلى التشدد. وفي شهر أيلول (سبتمبر) لاحظت الوكالة تراجعا جديدا في الطلب متزامنا مع توسع مستمر في المعروض، ونتيجة لذلك، وصلت مخزونات النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى مستويات قياسية لم تشهدها في السابق.
السؤال هنا هو من أين أتت كميات النفط الإضافية؟ في منتصف عام 2014، وصل إنتاج دول "أوبك" مجتمعة إلى 30.3 مليون برميل في اليوم، حيث إن ارتفاع الإنتاج في حينها من المملكة العربية السعودية، إيران، نيجيريا وأنجولا عوض كميات النفط العراقية الأقل.
بعد ذلك بعامين، كانت دول "أوبك" تضخ كميات قياسية من النفط الخام وزادت حصتها في السوق بنحو 2 في المائة لتصل في آب (أغسطس) إلى ما يزيد قليلا على 37 في المائة، حيث بلغ إجمالي إنتاج المنظمة 33.47 مليون برميل في اليوم أي نحو 450 ألف برميل في اليوم أكثر من الطلب على نفطها.
حافظت دول المنظمة في منطقة الشرق الأوسط على مستويات إنتاج قياسية، بقيادة المملكة العربية السعودية، إيران بعد رفع العقوبات والعراق. باختصار، دول المنظمة تنتج بقدر ما تستطيع من الناحية التشغيلية، عدا السعودية. الإنتاج تراجع فقط في ليبيا، نيجيريا وفنزويلا، ما منع إنتاج المنظمة من الوصول إلى 35 مليون برميل في اليوم.
منذ خروجها من العقوبات الدولية في كانون الثاني (يناير)، زادت إيران إنتاجها من النفط الخام بشكل مطرد واستعادت مكانتها كمصدر رئيس للنفط إلى أوروبا وآسيا. خلال عام 2016، ارتفع الإنتاج الإيراني أكثر من أي عضو آخر في المنظمة، ليصل أخيرا إلى نحو 3.7 مليون برميل في اليوم، ارتفاعا من 2.8 مليون برميل في اليوم في حزيران (يونيو) 2014. تخطط إيران للوصول في أقرب وقت ممكن إلى نحو 4.0 مليون برميل في اليوم، أو ما يقرب من مستوى إنتاجها قبل العقوبات.
في الوقت نفسه، نجح العراق في الحصول على حصة أكبر في أسواق النفط. في هذا العام وحده، رفع العراق إنتاجه بما يقرب من 0.6 مليون برميل في اليوم ليصل إلى 4.35 مليون برميل في اليوم في آب (أغسطس)، ارتفاعا من 3.26 مليون برميل في اليوم قبل عامين.
في حين كانت المملكة العربية السعودية ترفع إنتاجها متى تشاء في وقت كان يكافح فيه آخرون. في شهر حزيران (يونيو)، بلغ إنتاجها رقما قياسيا عند 10.6 مليون برميل في اليوم، بفضل ذروة الطلب المحلي في فصل الصيف والحفاظ على مستويات تصدير عالية، ارتفاعا من 9.78 مليون برميل في اليوم في حزيران (يونيو) 2014.
ولكن خارج دول "أوبك"، كانت الصورة في الواقع متفاوتة. حيث خيم الركود على بعض المنتجين، ولكن إنتاج الآخرين لا يزال مرتفعا بقوة. في الولايات المتحدة، بعد أن بلغ إنتاجها – بما في ذلك سوائل الغاز الطبيعي – ذروته في شهر نيسان (أبريل) من العام الماضي عند 13.24 مليون برميل في اليوم تراجع بشكل مطرد مع خفض الإنفاق الرأسمالي في المشاريع الاستخراجية (المنبع). بحلول شهر آب (أغسطس) من هذا العام، انخفض إنتاجها الكلي إلى 12.52 مليون برميل في اليوم، ووصل إنتاج النفط الخام إلى 8.7 مليون برميل في اليوم. بحلول حزيران (يونيو) من العام الماضي، انخفض عدد منصات الحفر العاملة على البر في الولايات المتحدة أكثر من النصف، حيث وصلت إلى 400 منصة وفقا لـ "بيكر هيوز"، ولكنها بدأت ترتفع ببطء منذ ذلك الحين. وتقول وكالة الطاقة الدولية إن صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة ستحتاج إلى نحو ستة أشهر لتنهض مرة أخرى بعد التراجع، ولكن هذا سيعتمد على أسعار النفط إذا استقرت لفترة طويلة في نطاق 50 دولارا للبرميل.
في حين استمر الإنتاج الروسي يراوح بين 10.7 و10.85 مليون برميل في اليوم لمدة أكثر من عام، متحديا المحللين الذين كانوا يتوقعون تراجع إنتاجه تحت وطأة انخفاض الأسعار والعقوبات. من ناحية ثانية، ما زال إنتاج النرويج قويا، كندا ثابتا، والصين مستمرا في الانخفاض.
كل ذلك يترك "إعادة التوازن" بحاجة إلى بعض الوقت لتتحقق. المخزون النفطي لا يزال مرتفعا للغاية لإحداث انتعاش سريع في الأسعار، كما أن المصافي بالكاد تجاهد للاستفادة من النفط الرخيص. لذلك فإن ارتفاع أسعار النفط بقوة يبدو أمرا غير وارد حتى الآن – إلا إذا تمكنت دول "أوبك" وغيرها من المنتجين من إجراء تخفيض ملموس في الإنتاج، وهذا هو المطلوب. حيث إن تراجع أسعار يقوده العرض، وعدم وجود طلب قوي بما يكفي لامتصاص الفائض، يحتاج إلى خفض كبير في الإنتاج ليقوم بهذه المهمة.