عباقرة التقنية يرسمون مستقبل الشركات

عباقرة التقنية يرسمون مستقبل الشركات

يتزايد الاعتماد على التكنولوجيا في مجال الأعمال وبالتالي يزداد عدد الأشخاص المهووسين بها، ويصفهم البعض بأنهم مصدر إزعاج، في حين يجد آخرون أنه من الصعب التأقلم معهم. ولكن من الضروري بمكان أن يوظف المديرون مثل هؤلاء الأشخاص بغض النظر عن قدرتهم على التأقلم مع الآخرين.
يصادف الجميع خلال الحياة المهنية شخصا أقل ما يقال عنه إنه مزعج في العمل، غير متأقلم مع الوضع، ويعمل بمعزل عن الفريق. وفي الوقت الذي يحاول معظمنا العمل مع هكذا أشخاص، يصبح الوضع أكثر إزعاجا في بعض الأحيان. ولكن هناك حاجة متزايدة إلى وجود أشخاص دقيقين وعقول تقنية ذات قدرات استثنائية. وقد أدركت المؤسسات أنه ليس من الضروري أن يندمج أصحاب هذه العقليات مع الآخرين. فهناك حاجة إلى هذه العقول ولكن من الصعب تحملهم، وطاقاتهم غير مستثمرة بشكل فعال بسبب التناقضات التي ينطوي عليها العمل معهم.
ولكن اكتشفنا في هذه المقالة، أنه بإمكان التنفيذيين الذين من الصعب عليهم التأقلم مع الآخرين، الحصول على المساعدة في سبيل تقليل المسافة بينهم وبين الآخرين، أو على أقل تقدير فهمهم بشكل أفضل.
تقوم الشركات على نحو متزايد بتوظيف أشخاص معدل ذكائهم عال ومختصين في التقنية، وذلك في سبيل مواجهة التحديات التي تواجه عالم الأعمال بشكل يومي. حيث تشير الأبحاث غالبا إلى أن معدل الذكاء يرتبط بشكل عكسي مع معدل الذكاء العاطفي عند أغلب الأشخاص. وقد أظهرت دراسة حديثة أجرتها "كورن فيري" أن الوعي الذاتي يحدد إذا ما كان معدل الذكاء العالي يؤثر في الأداء القيادي سلبا أو إيجابا. وأشارت بيانات تقييم 209 مسؤولين تنفيذيين ومديرين إلى أنه عند المقارنة بين اثنين من الأشخاص التنفيذيين من ذوي الوعي الذاتي العالي، فإن أداء الشخص الذي يتمتع بمعدل ذكاء مرتفع سيكون أفضل، والعكس صحيح في حال كان الوعي الذاتي لديهم منخفضا.
قد تكون هذه المعادلة صادمة لشخص مثل جان الذي يعمل في مجال العلوم في إسكندنافيا ومسؤول عن فريق من الموظفين . فقد جاء في المرتبة الأخيرة من حيث الوعي الذاتي بحسب تقييم مديريه، وكذلك أيضا من قبل فريقه لافتقاره إلى مهارات التواصل وإظهار التعاطف فضلا عن الوضوح والرؤية. عدم مقدرة جان على التأثير وانخفاض الروح المعنوية لفريقه نسبت، لعدة سنوات، إلى التغيير التنظيمي وعدم وضوح الرؤية، عوضا عن النظر إلى مهارات القيادة وسلوك جان وزملائه في فريق القيادة الذين تم ترشيحهم جميعا لتولي مناصب قيادية من دون العمل على تطوير مهاراتهم القيادية، ومن ثم بدأ الفريق بأكمله رحلة التطوير.
وجد إليوت نيلسون وفريقه عند النظر في حالة جان أنه ليس بحاجة إلى التغيير بل إلى التوجيه. وعند مراجعة جان جميع التقارير الموجودة ووجهات نظر الأشخاص الذين يتعاملون معه، فَهِم لماذا يجده الآخرون شخصا يصعب التعامل معه. ولكن حب الاستطلاع لدى جان ومعدل ذكائه العالي، دفعه إلى طرح الأسئلة عن سبل التغيير، وقاده أسلوبه العقلاني نحو سلوك أكثر وعيا وتطورا خلال اجتماعاته ولقائه مع أعضاء فريقه بشكل فردي، وأصبح لديه الإدراك الكافي أن العمل الذي يقوم به من أهم الأشياء التي يستطيع القيام بها. وتم تصنيف جان فيما بعد على أنه "أكبر المتحولين" من قبل نفس فريق القيادة الذي تكلم عنه بشكل سلبي في البداية. فأسلوب طرح الأسئلة، والبحث عن الاحتمالات والعمل مع شخص يوجهه بدلا من أن يملي عليه الأوامر كان ذا جدوى في حالته. إلى جانب حرصه على الأخذ بردود الأفعال، استطاع أن يصل إلى أعلى مستويات الأداء بما يتماشى مع مستوى ذكائه العالي. إن مساعدة التنفيذيين على التأقلم تعني تقديم الدعم ومساعدتهم على رؤية مختلفة بدلا من رؤية الأشياء السلبية فقط. وكمثال على ذلك هناك ميشيل الملقبة بـ "الدماغ" التي تعمل في شركة استشارات فرنسية، كان لديها اعتقاد قبل تقديم المساعدة لها، بأنها ليست بحاجة إلى الآخرين، فهي شخصية جدية وانطوائية ونادرا ما تضحك. وكانت على وشك تولي أحد أهم المناصب القيادية، ولكن حتى ذلك الوقت كانت لا تزال تتصرف بصورة انطوائية. طلب منها المدرب الذي عمل معها، أن تخبره بعدد الأشخاص الذين تأثروا بسلوكها، وكان جوابها سبعة أشخاص. ولكن عندما شرح لها المدرب مستخدما جميع أساليب الإيضاح، أن أكثر من خمسين شخصا من أصحاب المصلحة يتأثرون بتصرفاتها في كل مرة، شعرت ميشيل بالصدمة، ولكنها كانت حريصة على أن تبحث عن حلول.
فالجهود التي تركز على " مشكلة التأقلم" تلعب دورا قويا في تقديم الدعم . ومن الضروري مشاركة الجميع في عملية التغيير، وزيادة الوعي الذاتي، وانتهاج أسلوب جديد له تأثير كبير، ومن الجيد سماع آراء الآخرين فيها، كما صرح جان بعد مرورعام بأنه أصبحت لديه ثقة أكبر تجاه ما يجب عليه القيام به لقيادة فريقه، وأكثر جاهزية في التعامل مع السلوك الصعب.
إذا تحتم علينا التعامل مع الأشخاص المهووسين بالتكنولوجيا بشكل أكبر سواء في العمل أو في حياتنا اليومية، فكيف سيكون بمقدورنا تنمية تفكيرنا وتصرفاتنا في سبيل تحقيق الاستفادة القصوى من ذلك؟ يكون ذلك من خلال رؤيتنا أولا للقيمة التي يحققها هذا التنوع، فهذه النوعية من العقليات تعتبر ظاهرة فريدة، ونحث الشركات والأفراد على أن يأخذوا بعين الاعتبار القيمة التي يجلبها مثل هؤلاء الأشخاص لمؤسساتهم. فهم بارعون من الناحية التقنية ولكنهم انعزاليون، وكذلك على استعداد للقيام بالمهام التي تتطلب كثيرا من التركيز. كما أنهم فضوليون ومحبو استطلاع، ينتهجون الأسلوب العلمي في طريقة عملهم. لذا سيكون بإمكاننا تحقيق نتائج أفضل إذا ما فهمنا طبيعة الأشخاص الذين نتعامل معهم. ونعتقد أن ما بين 15 في المائة إلى 20 في المائة من المديرين والقياديين في عديد من المنظمات تنطبق عليهم مواصفات "الشخص المهووس". وتقترح دراسة لـ "كورن فيري"، أنه بمساعدتهم على رفع مستوى وعيهم الذاتي، سيكون ذلك بمنزلة دافع لهم نحو تحقيق أداء أفضل والمساهمة في إحداث تغيير جذري وتحقيق النجاح.

الأكثر قراءة