حدس أوباما المميت .. ثقة بالعمائم السوداء وخذلان للمعارضة الخضراء
"حروب إيران: ألعاب الجاسوسية، المعارك المصرفية، والصفقات السرية". ليس الكتاب الأول ولن يكون الأخير الذي يبحث تناقضات إيران وعبثها بالإقليمين المحلي والعالمي. ولكن ميزة هذا المبحث تحديدا تأتي لكونه الأحدث زمنيا. ما أتاح للمؤلف كشف إنهاء الرئيس أوباما برامج كانت توثق انتهاكات حقوق الإنسان الإيرانية. وتجاهله انتفاضات داخلية متعددة تطالب بالتغيير. فقط من أجل المضي قدما بطرح الاتفاق النووي الأخير. في خضم تعتيم حكومي مقصود يهدف إلى تمرير الصفقة النووية ورفع العقوبات وفتح الأسواق الإيرانية بأي ثمن دون النظر إلى أبعاد خطورة هذا الأمر إقليميا ودوليا.
#2#
جدل مشحون حول كيف وصلت العلاقات بين الولايات المتحدة إلى هذه النقطة مع إيران؟ وإلى أين تتجه العلاقات بينهما؟ هذا هو: موضوع كتاب "حروب إيران: ألعاب الجاسوسية، المعارك المصرفية، والصفقات السرية التي أعادت تشكيل الشرق الأوسط" لمؤلفه جاي سولومون، وتقديم مركز إدراك للدراسات. الكتاب صادر باللغة الإنجليزية عن دار نشر راندوم هاوس، في 352 صفحة، بتاريخ 23 أغسطس 2016.
بمزيجِ من العقوبات الاقتصادية، والدبلوماسية الدولية، والعمل الاستخباراتي، ناضلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة لاحتواء طموحات إيران في أن تصبح قوة نووية مهيمنة على المنطقة، وهو ما يراه كثيرون أخطر تهديد للسلام في الشرق الأوسط. في المقابل، استخدمت إيران عدم الاستقرار في المنطقة لمصلحتها من أجل تقويض المصالح الأمريكية.
يستوعب كتاب "حروب إيران" هذه المعركة التي تم خوضها على عديد من المستويات؛ العسكرية والمالية والسرية. وهو نتاج تقارير ومقابلات واسعة وشاملة مع جميع اللاعبين الرئيسيين في الصراع، بدءًا من المسؤولين الإيرانيين رفيعي المستوى وصولا إلى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وفريقه التفاوضي.
بعينِ مراسل استقصائي محترف، وسرد مؤرخ بارع؛ يبين سولومون كيف استمرت إيران في تطوير برنامجها النووي لسنوات دون أن يلاحظ المجتمع الدولي، حتى أصبح على رأس المخاوف الأمنية العالمية. ويرصد الأخطاء التي ارتكبتها إدارتا بوش وأوباما في التعامل مع إيران، باستخدام الأنواع ذاتها من العصي والجزر. كما يصحبنا في أروقة الفنادق، حيث جرى التفاوض على الاتفاق النووي عام 2015؛ ليقدم تقييما صريحًا للمستقبل الغامض للعلاقات بين الولايات المتحدة وإيران.
#3#
ويفيض الكتاب باتصالات سرية بين إدارة أوباما والحكومة الإيرانية، ورسائل من الخطوط الأمامية على جبهة قتال جديدة في ساحة الحرب المالية، ليعرض تاريخا خفيا من الصراع، لم يكن الأمريكيون يدركون مجرد وجوده، رغم أن النتيجة المترتبة عليه يمكن أن تكون لها آثار جيوسياسية بعيدة المدى.
يلفت الكتاب النظر إلى ما يعتبره البعض فرصة ضيّعها أوباما؛ حين أُعلن فوز أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية عام 2009، وخرجت المعارضة الإيرانية إلى الشوارع وهم يهتفون، ليس فقط: "الموت للدكتاتوريين"، ولكن أيضًا: "الرئيس أوباما.. هل أنت معنا أم ضدنا"؟
يقول سولومون، "لم يرفض أوباما فقط تقديم الدعم لهم، بل أنهى برامج كانت توثق انتهاكات حقوق الإنسان الإيرانية، وأمر وكالة المخابرات المركزية CIA بأن تدير ظهرها للحركة الخضراء".
ويضيف "كانت وكالة CIA تمتلك خططًا للطوارئ من أجل تقديم الدعم لأي انتفاضات ديمقراطية في أي مكان حول العالم. هذا يشمل: توفير وسائل الاتصال، والأموال، وحتى الأسلحة في الحالات القصوى، للمنشقين. لكن في هذه الحالة، أصدر البيت الأبيض أوامره بعدم التدخل".
"ليس لدي أدنى شك في أننا تجنبنا الحرب"، قالها وزير الخارجية الأمريكي لمؤلف الكتاب هذا العام. قد يكون على حق. وقد يكون النقيض هو الصواب: ما يراه كيري باعتباره تجنبا للحرب يمكن أن تكشف الأيام أنه لم يكن سوى تأجيل لها.
استند كيري ورئيسه أوباما إلى الحدس بدلا من الأدلة، واعتقدا أن الجمهورية الإيرانية ستميل إلى الاعتدال بعد الاتفاق النووي، وستتخلى عن طموحاتها لإقامة إمبراطورية مترامية الأطراف، وستتوقف عن الحلم بـ "موت أمريكا وإسرائيل والسعودية، وغيرها من "الدول الكافرة"، ولن تتطور إلى خصم أشد فتكا"، على حد قول كليفورد ماي في صحيفة واشنطن تايمز.
لكن سولمون يقول "راهن أوباما على أن خامنئي وحلفاءه لن يلتزموا بشروط الاتفاق النووي. وإذا فعلوا ذلك، فإن الولايات المتحدة ستخاطر حينها بإطلاق شلال نووي أكبر في الشرق الأوسط. نعم هذا هو الرهان"!
المختص الاقتصادي ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق، جورج شولتز، توقف أمام كلمة "حروب" المستخدمة بصيغة الجمع في عنوان الكتاب، ليلفت النظر إلى أن العلاقات المضطربة بين الولايات المتحدة وإيران استمرت لأعوام عديدة، ويسلط الضوء على أهميتها في فهم التداعيات قصيرة وطويلة المدى المترتبة على إدارة الإدارات الأمريكية المتعاقبة لهذه العلاقة.
أما جوبي واريك، الحائز جائزة بوليتزر ومؤلف كتاب "أعلام سوداء: صعود داعش"، فاعتبر "سولومون" أحد أفضل الصحفيين الذين يكتبون عن الشرق الأوسط اليوم. ورأى أن هذا الكتاب "يوفر إطلالة شديدة القرب، من الخطوط الأمامية، على ألعاب الجاسوسية،
والاغتيالات، والمكائد السياسية، والدبلوماسية عالية المخاطر، التي احتشدت لتشكل العلاقة مع "أحد أكثر خصوم أمريكا مكرا وخطرا". ويحظى المؤلف، جاي سولومون، بسيرة مهنية حافلة، حيث عمل مديرًا لمراسلي الشؤون الخارجية في صحيفة وول ستريت جورنال التي رشحته لثلاث جوائز بوليتزر. ولقرابة عقدين من الزمن، كتب تقاريره من آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط، بما في ذلك جاكرتا، وإندونيسيا، وسيئول، وكوريا الجنوبية، ونيودلهي، والهند، وواشنطن.