ما الهدف من التهويل غير المبرر؟
كثر الحديث حول نضوب البترول أو تدني أسعاره لدرجة تؤدي إلى إفلاس الدول الخليجية، الأمر الذي لا يعكس عمقا في التفكير، ولا فهما لواقع الحال، ولا رؤية بعيدة المدى، ولا استيعابا لنتائج هذا التهويل الذي يمكن أن يسهم في هجرة الأموال والعقول والاستثمارات، ويؤدي – كذلك – إلى تثبيط الهمم وإحباط الآمال والطموحات لدى المواطنين عموما والشباب خصوصا، وفوق ذلك يحد من تدفق الاستثمارات الأجنبية للمملكة.
من المعروف أن البترول سينضب يوما ما، ولكن ليس غدا، وبالتأكيد ليس بعد خمس أو عشر سنوات أو حتى عشرين سنة من الآن، لا يمكن تطوير بدائل تلغي قيمة البترول بين ليلة وضحاها، فتطوير البدائل واستخدامها بشكل واسع يتطلب وقتا طويلا وتحولا تدريجيا، هذا من جهة ومن جهة أخرى، فمن المعروف سلفا والمؤكد اقتصاديا الحاجة الضرورية إلى تنويع مصادر الدخل في المملكة، والحد من الاعتماد على البترول أو الموارد الأولية، لذلك كان تنويع الموارد أحد أهداف خطط التنمية الثلاث الماضية، وكذلك فكرة الاقتصاد القائم على المعرفة، وفكرة استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وإنشاء المدن الاقتصادية، وفي الوقت نفسه اتجهت الدولة إلى بناء الإنسان من خلال التوسع في التعليم العالي والابتعاث وغيرهما.
المملكة العربية السعودية تمتلك أكثر من خمس الاحتياط النفطي المؤكد (22 في المائة) في العالم، وتحتضن أراضيها عديدا من الموارد الطبيعية الأخرى كالفوسفات والنحاس والحديد وغيرها، ناهيك عن المساحة الشاسعة من الأراضي التي تحظى بأفضل ساعات السطوع الشمسي المناسب لإنتاج الطاقة الشمسية وتصديرها للمناطق المجاورة. وأهم من ذلك كله، تتميز المملكة بأنها قبلة المسلمين ولديها المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة، التي تعد عاملا مهما لاستقطاب السياحة الدينية الدائمة، إذا ما أحسن تنظيمها، والاستفادة منها من خلال إنشاء مطارات متقدمة وتبني إجراءات سفر مرنة.
يضاف إلى ذلك أن المملكة تمكنت من استكمال البنية الأساسية الضرورية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والصناعية، لتكون قادرة على استقبال الاستثمارات الأجنبية وتحفيز الاستثمارات المحلية من خلال دعم المشروعات الرائدة التي تسهم في دعم الاقتصاد الوطني في مجالات الصناعة والتقنية والتعليم والخدمات.
هذه النظرة المتفائلة تحتاج إلى العمل على إنجاز متطلبات أو أمور أساسية، يأتي في مقدمتها تعظيم الاستفادة من الموارد والحد من الهدر أو الاستنزاف الذي لا يخدم المصلحة العامة، والقضاء على الفساد سواء في استغلال الموارد الطبيعية أو الإنفاق العام، وتبني العمل المؤسسي المدروس عند إطلاق المبادرات الوطنية التي تمس المواطن أو ترتبط بالمصلحة العليا للدولة، وتحسين آلية اختيار القيادات الوطنية بما يخدم التنمية ويسهم في إشراك جميع الفئات والفعاليات الوطنية، خاصة أن بلادنا تزخر بالكفاءات المميزة والقادرة على العطاء بإخلاص ومهنية عالية، والعمل على بناء الإنسان وتعزيز قيم العمل لدى المواطن، وكذلك تأسيس "صندوق للأجيال القادمة" يكون موازيا لصندوق الاستثمارات العامة، بحيث يقتطع جزءا قليلا من ميزانية كل عام لمصلحة هذا الصندوق، الذي يتبنى استثمارات آمنة، ويعمل وفق آلية أو نظام لا يتيح الإنفاق إلا تحت ظروف اقتصادية محددة وبعد مرور فترة زمنية كافية لتراكم عوائد معقولة في الصندوق.