إنتاجية الموظف الحكومي .. مسؤولية من؟
لا شك أن اللقاء الذي جمع وزيري المالية والخدمة المدنية ونائب وزير الاقتصاد والتخطيط في برنامج الثامنة الذي عرضته قناة إم بي سي أحدث نقاشا كبيرا بين أفراد المجتمع حتى أصبحت بعض القضايا التي عرضت في اللقاء أشبه بمادة رأي عام أثرت كثيرا في أفراد المجتمع خصوصا ما يتعلق بإنتاجية الموظف الحكومي؛ التي أشار فيها وزير الخدمة المدنية إلى أن هناك دراسة تقول إن إنتاجية الموظف الحكومي ساعة واحدة فقط، رغم أن الموظف الحكومي يعمل يوميا لمدة سبع ساعات، وقد فسر كثير من المتابعين للقاء أن هذه العبارة تعني أن الموظف يعمل لساعة واحدة فقط في حين أن هناك فرقا واضحا بين الإنتاجية وساعات العمل وإن كانت في بعض الأحيان متلازمة إلا أن الإنتاجية ليست مرتبطة دائما بعدد ساعات العمل، إذ قد يعمل الشخص لمدة ساعات وإنتاجيته قد تكون صفرا أو بالسالب في حين أنه على سبيل المثال لا الحصر تطبيق أبشر وهو موقع وتطبيق إلكتروني إنتاجيته عالية جدا في تقديم خدمات مهمة للمجتمع.
فإذا اتفقنا أن هناك فرقا بين الإنتاجية وساعات العمل ينبغي لنا البحث في سبب ضعف إنتاجية أي مؤسسة في حال وجود ذلك سواء كانت تلك المؤسسة قطاعا حكوميا أم قطاعا خاصا، وكيف يمكن العمل على زيادة إنتاجية المؤسسة؟
لا شك أن الأمر يحتاج إلى دراسة أكثر دقة وتنوعا وتتناول شرائح مختلفة وتحديد معيار للإنتاجية وقياسه على الوضع القائم حاليا، وأن تكون لذلك نتائج تنعكس على القرارات التي تخص كل مؤسسة سواء بمكافأة أو محاسبة، أو بمعنى آخر استخدام سياسة العصا والجزرة.
بطبيعة الحال فإن هذا المقال لا يهدف إلى نقد أو إقرار للدراسة التي أشار إليها وزير الخدمة المدنية ولكن الموضوع الأهم الذي ينبغي أن يتم الاهتمام به فعلا هو كيف يمكن زيادة إنتاجية المؤسسات الحكومية وتشجيع القوى العاملة الوطنية على أن تطور من إمكاناتها ومهاراتها بما يزيد من مستوى الإنتاجية لديها، إذ إن المنافسة في المستقبل كبيرة في كثير من دول العالم، فدول كانت تعتبر فقيرة جدا أصبحت اليوم تعمل على أن تكون لديها مصادر أكبر للدخل فبدأت تتحسن اقتصاديا، وبقاء المجتمع على المستوى الحالي دون تطور يعني بالضرورة ليس فقط أن نبقى على الترتيب نفسه عالميا، بل سنتأخر أكثر باعتبار أن العالم يتطور من حولنا. وفرص العمل ومستوى الدخل الذي يتحقق للموظف اليوم لن يكونا متاحين للأجيال القادمة.
الإنتاجية تتطلب مجموعة من الإجراءات والخطوات ومسؤولية الموظف نفسه قد تكون الأقل، فأول ما يعزز الإنتاجية هو العمل على تحسين الأنظمة والتشريعات المتعلقة بالعمل ومن ثم دراسة الإجراءات ومحاولة تقليصها وتخفيفها قدر الإمكان، ويأتي في درجة عالية من الأهمية اختيار القيادات التنفيذية داخل كل مؤسسة مع إعداد مسار تدريبي مناسب لتطوير قدراتهم وزيادة كفاءتهم لزيادة الإنتاجية، ويأتي قبل ذلك تحديد أهداف ومسؤوليات كل إدارة ومعايير الإنتاجية لديها، ومن ثم مراقبة ذلك وتقييمه واتخاذ ما يلزم في أمور متعددة سواء في المحاسبة أو تحديد الميزانية التي تستحقها المؤسسة وعدد الموظفين والموظفات الذين يمكن أن يخصص لها، وبعد ذلك تكون هناك خيارات بديلة في حال وجود أي تقصير في إنتاجية المؤسسة، ولعل أحد العناصر المهمة المتعلقة بالموظف فيما يتعلق بالإنتاجية إضافة إلى متابعة التزامه بالعمل مسألة الحوافز، إذ تساوي المنتج وغير المنتج في المعاملة سينتج عنه نتائج سلبية في أداء الموظف، والحوافز التي يمكن أن تكلف المؤسسة 10-20 في المائة إضافية لدخل الموظف قد تزيد في إنتاجيته إلى الضعف أو أكثر. وهذا ما دفع بعض الحكومات في دول متقدمة إلى الاتجاه إلى الخصخصة، وتجربة المملكة في مجال الخصخصة نجحت في مجموعة من المجالات، ما شجع على مزيد من إجراءات الخصخصة التي يمكن أن يعلن عنها قريبا.
فالخلاصة أن هناك فرقا واضحا بين ساعات العمل، والإنتاجية فحضور الموظف للعمل لمدة ثماني ساعات لا يعني بالضرورة أنه ينتج بالقدر نفسه، وتقع المسؤولية بصورة كبيرة في ضعف الإنتاجية على مجموعة من الأمور منها التشريعات والأنظمة والإجراءات والقيادات التنفيذية في المؤسسات التي يقع على عاتقها تحسين بيئة ظروف العمل وتحفيز الموظفين لزيادة إنتاجيتهم وتحسين أداء المؤسسة، كما أن وجود إجراءات للرقابة والتقييم وتقديم النصائح المناسبة لكل إدارة سيكون له أثر في تحسين إنتاجيتها مستقبلا.