هل تعزز الثقافة والأفكار السلوك الفوضوي؟
كثيرا ما أحاول تفسير السلوك الفوضوي الذي نراه ونلمسه في كل وقت، وكل مكان، وفي أي مناسبة. السلوك الفوضوي نراه عند المساجد في وقوف السيارات، حيث تغلق الطرق، بفعل أناس لا يقيمون للآخرين حقوقا، كما تشاهد الفوضى في مدخل المسجد، حيث تترك الأحذية على الأرض بصورة مزرية، مع وجود الرفوف، لكن مع الأسف لا يستخدمها إلا قلة من الناس.
الفوضى تظهر جلية في قيادة السيارات، حيث السرعة الجنونية، وغير النظامية، حيث لا يعطى المحافظ على النظام فرصة تغيير المسار، كما لا يسلم من مضايقة المتهورين، حيث يتم إزعاجه بالأنوار العالية، وبالتكبيس والمنبه الصوتي، أما الوقوف على الأرصفة فحدث ولا حرج في ذلك، ويدخل في تشكيل لوحة الفوضى، أصحاب الشاحنات والقلابات الذين يقفون على الأكتاف، كما في الدائري الشمالي، وطريق الملك خالد، والدائري الشرقي، وغيرها في منظر مزعج للعين، ومثير للاشمئزاز، ومثير للتراب والغبار، ومضر بالأكتاف، ومع ذلك لا يوجد من يفرض النظام على هؤلاء لردعهم عن هذه الممارسات.
في وقت الجنائز تشهد ممارسات الفوضى ماثلة أمامك في المسجد، وفي المقبرة، حين يقوم الناس بتعزية أهل الميت، إذ لا أحد يلتزم بالنظام، والكل يزاحم الكل، ومن يأتي متأخرا يخالف اتجاه الحركة، ويأتي من الجهة المقابلة، وآخرون يأتون من الخلف، كل هذا لاختصار الوقت، أو هكذا يظن أصحاب هذه الممارسات، وفي الحقيقة هذه التصرفات لا تثمر إلا عن مزيد من معاناة الجميع، ومزيد من الفوضى. هل يشعر أصحاب الممارسات هذه بفداحة التصرفات وضررها؟ فمن يحضر للمسجد بهدف الصلاة، ونيل الأجر، ويغلق الطريق، أو يقف خلف سيارة أخرى، ولا يخرج إلا متأخرا، هل سيخسر ما سعى من أجله بفعل هذه التصرفات؟!
نقاط التفتيش في الشوارع، خاصة على الطرق الطويلة تترك الحواجز التي تنصبها أثناء التفتيش ملقاة بجانب الطريق، في صورة مشوهة، ومربكة لسائقي المركبات، أفلا يمكن لفرق التفتيش حمل عدتهم معهم بدلا من تركها ملقاة في الطريق، في منظر يوحي بافتقاد المهنية؟ فنقطة التفتيش وضعت لضبط النظام، ومن النظام إماطة الأذى عن الطريق صدقة. سيارات الأجرة "الليموزين" تسهم بنسبة كبيرة في الفوضى المرورية، في شوارع مدننا، ذلك أن "الليموزين" يقف في أي مكان، وفي أي وقت، وكيفما اتفق، فجأة، وفي وسط الشارع، أو في المنعطف، أو والإشارة خضراء، حتى لو أعاق الآخرين، دون رادع نظامي، أو التزام ذاتي بالأنظمة.
هذا العرض لأمثلة من الممارسات الفوضوية ليس بهدف استرجاع الصورة في الميدان، فالصورة يشاهدها الجميع، وربما يمارسها البعض، لكن الهدف محاولة تفسيرها بما يساعد في حلها، والمدخل الطبيعي من خلال الإجابة عن سؤال: هل السلوك الفوضوي فطري، أم مكتسب، أم هو نتيجة ثقافة ولدت طريقة تفكير تنتج مثل هذه التصرفات؟
لا يمكن اعتبار السلوك الفوضوي فطريا، ذلك أنه من غير المعقول أن يعشق الإنسان الفوضى، لكن من المؤكد أن الإنسان يميل للتحرر من القيود، والأنظمة متى ما وجد الفرصة مواتية لذلك، ودون رقيب يطبق عليه النظام.
مما يتسبب في هذه الممارسات اعتقاد بعض الأفراد أنهم أصحاب حق، وعلى الآخرين التحمل والصبر على أذاهم، وهذا التفكير ناجم عن الأنانية المفرطة المنكرة لحقوق الآخرين.
العلاقة بين الثقافة، والأفكار إيجابية، أو سلبية علاقة وثيقة، إذ قد تكون الثقافة مصدر الأفكار المترسخة في أذهان الناس، ومن ثم الموجهة لسلوكهم، كما أن الفكرة قد تؤسس لثقافة تسود المجتمع، أو شريحة منه خاصة إذا نمت الفكرة، وتعززت من خلال الممارسات، حتى يألفها الناس، ويقبلونها حتى مع ضررها. الثقافة يستمدها الفرد من بيئته على شكل أمثال شعبية، أو شعر أو قصص وحكايات أو مشاهد يومية يألفها الفرد حتى يعتقد أن هذا ما يجب أن يكون.