رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


قضايا المستقبل .. لعلنا نتحاور بشأنها

يفترض في أي "حوار بناء" بين طرفين أو أكثر أن يكون "موضوعيا"، بعيدا عن "الجدل العقيم". يفترض فيه طرح "منطلقات" الأطراف، وبيان "الأفكار" معززة بـ"الأسباب"، وموضحة بـ"الأثر". ويفترض بالأطراف أن تقبل بعضها بعضا، خصوصا في قضايا "المصلحة العامة"، حيث يكون "الهدف" مشتركا، حتى وإن كان "طريق" الوصول إليه موضع خلاف. وهناك قول شهير يعبر عن وحدة الهدف مع اختلاف أساليب العمل على تحقيقه؛ والقول هو "ينامون على وسائد مختلفة، لكن الحلم واحد". "فالوسائد المختلفة"، مسارات مختلفة، و"الحلم الواحد" هدف يرغب فيه الجميع لأنه يحقق مصلحة عامة يستفيد منها الجميع.
والحوار البناء "ممارسة تفاعلية للتفكير" يمكن أن تؤدي إلى الإبداع وتوليد أفكار جديدة. وفي هذا المجال هناك قول مأثور "لجورج برنارد شو" المفكر الإيرلندي الذي عاش ما يقرب من قرن بين منتصف القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين للميلاد. والقول المأثور هو "إذا كان لديك تفاحة ولدي أخرى وقمنا بتبادلهما، فإن الحالة لن تتغير، حيث سيبقى لكل منا واحدة؛ ولكن إذا كان لديك فكرة ولدي أخرى وقمنا بتبادلهما، فإن الحالة الجديدة ستكون أفضل، لأنه سيصبح لدى كل منا فكرتان". وبالطبع إذا تفاعلت الفكرتان المختلفتان في ذهن الإنسان بات أكثر قدرة على الإبداع وتقديم أفكار جديدة.
الحوار البناء إذن مصدر للأفكار الموضوعية الجديدة والمتجددة التي نحتاج إليها في رسم الطريق نحو مستقبل أفضل. هو وسيلة من الوسائل التي تعزز مهارة التفكير السليم لدى الإنسان؛ والتفكير، كما يقول "إدوارد دو بونو"، أحد الخبراء الساعين إلى تطوره، هو أهم مشكلة تواجه مستقبل الإنسان، هو معضلة تفوق معضلة التغير المناخي ومعضلة الخلافات بين الأمم، وغيرها من المعضلات الأخرى، والسبب أن استقامة التفكير يمكن أن تحل جميع المشكلات الأخرى. والحوار البناء الموضوعي هنا هو المفعل لهذا التفكير، والممكن لمخرجاته التي نحتاج إليها.
نحتاج إلى الأفكار الجديدة والمتجددة "المخصبة بالحوار البناء" في شؤون حياتناالمختلفة، وبين أهمها قضايا المستقبل. نريد أن نرسم طريق المستقبل، وأن نجهز أنفسنا للسير على هذا الطريق بكفاءة فاعلة. توجهات التفكير، وأسس الحوار البناء في قضايا المستقبل، يجب أن تنطلق من مبدأ "نحن"، ولكن دون فقدان ذاتية "أنا". فالمستقبل هو للمجتمع وهو للفرد أيضا، هو للمجتمع بلا نهاية طالما أراد الله له ذلك؛ وهو للفرد قائم ولو أنه محدود زمنيا بقوانين الطبيعة التي وضعها الله فيها. ويضاف إلى ذلك أن حياة الفرد ترتبط بالمجتمع، والمجتمع الآمن والقادر على العطاء، هو المكان الآمن والمحفز لإمكانات الفرد ودوره وطموحاته.
الحلم الواحد الذي نتطلع إليه، في القول الذي طرحناه في بداية المقال، هو لمبدأ "نحن" للمجتمع الآمن المعطاء الحاضن للأجيال، والممكن لإمكاناتهم وطاقاتهم جيلا بعد آخر. والوسائد المتعددة التي ننام عليها هي التوجهات والآراء التي قد تختلف بشأن العمل على تحقيق الحلم. والحوار البناء هو الوسيلة لجمع وسائد الحلم هذه، وما تحمله من أفكار وآراء، وتفعيل دور الموضوعية فيها، والخروج بعطاء فكري جماعي يبلور الأفكار ويوجهها ويرسم طريق المستقبل على أفضل وجه ممكن. قد تبقى بعد ذلك خلافات، لكن الأمر يكون قد اكتسب روح الجماعة. ولا شك أن الوفاق على "الجيد" الجامع في إطار "نحن"، أفضل من الاختلاف والمخالفة على "تعددية الأجود" في ذاتية "الأنا".
قضايا المستقبل التي تحتاج إلى التفكير الجماعي والحوار بشأنها هي تلك التي تستطيع الإسهام في التنمية اقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا، من أجل بناء مستقبل أفضل ينعم به الجميع. ولكل فرد في مثل هذه القضايا دور، قد يتمتع بدائرة تأثير كبيرة في المجتمع، أو ربما بدائرة تأثير أقل. ولكل فرد مصلحة أيضا في مثل هذه القضايا، قد تكون كبيرة أو صغيرة، أو حتى ذاتية ومباشرة أو جماعية وغير مباشرة. فأي مصلحة تحمل فائدة للمجتمع، هي مصلحة لكل فرد من أبناء هذا المجتمع. فالمجتمع حاضن للجميع، وفي مصلحته مصلحة للجميع.
قضايا المستقبل كثيرة، يكمن جوهرها في الإنسان ذاته وفي البيئة من حوله. في "تهيئة الإنسان" وتنمية إمكاناته قضايا مستقبلية مهمة؛ وفي "سلوك الإنسان" وتصرفاته قضايا مستقبلية مهمة؛ وفي "الفرص المتاحة" من حوله قضايا مستقبلية مهمة أيضا؛ ويضاف إلى ذلك إطار عام يرتبط بتفاعل الإنسان مع الحياة، ووعيه وقدرته على "التعامل والتعاون" مع الآخرين، سواء داخليا أو خارجيا. وليست هذه القضايا منفصلة ومستقلة عن بعضها بعضا، بل مترابطة ومتفاعلة، تؤثر وتتأثر، وتسهم في بناء المستقبل.
في "تهيئة الإنسان" هناك قضايا "التعليم" وتأهيل الإنسان بمهارات متميزة تمكنه من تقديم العطاء للآخرين، وتتيح له في المقابل تلقي معطياتهم. ثم هناك قضايا "الثقافة" وتوعية الإنسان وتوجهه الاجتماعي نحو "مبدأ نحن" والمصلحة العامة، مع الاهتمام أيضا "بذاتية أنا" وطموح الإنسان في أداء دور إيجابي في المجتمع. ولعلنا نتذكر هنا أن ديننا الإسلامي الحنيف قد علمنا ثقافة "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".
في "سلوك الإنسان" هناك قضايا كثيرة تشمل، "تلقي المعرفة والتفكير فيها؛ والتواصل الاجتماعي والتعامل مع الآخرين؛ والالتزام المهني والإنتاجية في العمل؛ وقيادة السيارة؛ وعادات اختيار الطعام واستهلاكه؛ واستهلاك المياه؛ واستهلاك الطاقة؛ وغير ذلك" من قضايا ترتبط بسلوك الإنسان في مجالات الحياة المختلفة.
وفي "الفرص المتاحة"، هناك قضايا مهمة على رأسها "إيجاد الوظائف؛ وتأمين المساكن". تحتاج إتاحة الوظائف إلى بيئة استثمارية مناسبة تقترن بثقافة ريادة الأعمال، لتعطي في المقابل تنمية اقتصادية واجتماعية تفيد الأفراد أصحاب العلاقة، وتسهم في تنمية المجتمع. ولا شك أن تأمين المساكن المناسبة للجميع يسهم في راحة الإنسان وأمن المجتمع، ويعزز توجهات الإنسان نحو أداء عمله على أفضل وجه ممكن.
علينا أن نتحاور في قضايا المستقبل حوارا إيجابيا موضوعيا بناء، ينطلق من "مبدأ نحن" ومصلحة المجتمع، ويحفز "ذاتية أنا" والدور الإيجابي للفرد في المجتمع. علينا أن نفكر معا؛ وأن تكون "لغة الحوار بيننا إيجابية" بعيدة عن التجريح والاستفزاز؛ علينا التعامل مع الاختلاف، والقبول بالرأي الجامع، بعيدا عن التمسك بالرأي المفرق. أمامنا قضايا كثيرة، التهيئة والإعداد للمستقبل؛ السلوك الحميد والتعاون؛ وإتاحة الفرص المناسبة للإنسان الذي يصنع المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي