«الكرامة» في مواجهة التحديات

الكرامة تعني احترام المرء ذاته، وهو شعور بالشرف والقيمة الشخصية يجعله يتأثر ويتألم إذا ما انتقص قدره، وكرامة الإنسان مبدأ أخلاقي يقرر أن الإنسان ينبغي أن يعامل على أنه غاية في ذاته لا وسيلة، وكرامته من حيث هو إنسان فوق كل اعتبار، والإنسان الذي يعتز بشخصيته يصون كرامته عن كل ما يدنسها من ضيم أو ظلم أو امتهان أو انتقاص أو مهانة أو إذلال.
ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه) ذلك أن مذلة السؤال تذهب كرامة الإنسان وتجعله خاضعا لغيره والأفضل له حفاظا على كرامته أن يأكل من كسب يده.
ومن أفضل طرق المحافظة على الكرامة احترام النفس حيث إن من يحترم نفسه يحترمه الآخرون، والسؤال كيف تحترم نفسك؟ والإجابة أن تنأى بها عن مواقع ومواقف المنقصة والإهانة والتطاول عليها من الآخرين، وبكل تأكيد احترام النفس يتطلب التسلح بمنظومة من المؤهلات والمهارات والقيم والمفاهيم الأخلاقية لكيلا تضع نفسك في موقع السؤال الذي يطلب الإعانة أو الضعيف الذي يطلب الدعم أو المخطئ الذي قد يشتم ويطلب الصفح.
تحديات الحياة كثيرة وأخطاء الإنسان كذلك والمحافظة على الكرامة ليست بالأمر الهين، وهذا صحيح إذا نظرنا للكرامة كهدف نعمل على تحقيقه في كل الأحوال ولكن الأمر سيكون أفضل إذا علمنا أن الكرامة قيمة أخلاقية تمثل وسيلة أكثر فعالية لمواجهة تحديات الحياة التي تواجه الإنسان في كل الظروف والمعطيات.
أعرف أحد الأصدقاء، لديه سمات شخصية تخالف السمات التي تدفع بالإنسان للنجاح إلا أنه من الناجحين المتميزين سواء على مستوى العمل حيث يرتقي في المناصب بشكل سريع كما أن يده دائما هي العليا في كثير من المواقف ومع كثير من الناس، وعندما سألته عن سر نجاحه قال لي إنه لا يتخيل نفسه في موقف عدم احترام أو موقف مذلة أو حاجة أو مهانة، وإنه دائما ما يرى نفسه في العلياء وأن يده هي اليد العليا فالكرامة بالنسبة له شيء كبير ولذلك تحمل وصبر على متطلبات الدراسة والتأهيل والالتزام والانضباط في العمل ليكون مميزا ويرتقي في المناصب ويكون لديه المال الوفير الذي يغنيه عن الآخرين للحصول على متطلبات العيش الكريم الذي يمكنه من مساعدة الآخرين خصوصا المحتاجين من الأقرباء والأصدقاء والزملاء. ولقد رأيته حقيقة يتجنب بشكل كبير أي موقف يمس كرامته من بعيد أو قريب.
هذا الرجل النموذج ومثله كثير يدعوننا إلى التأمل في الكرامة كقيمة لمواجهة تحديات الحياة حيث تدفعهم من الداخل للعزيمة والإصرار والصبر وعدم التراخي والتأجيل ليكونوا في مواقع الشرف لا في مواقع المذلة والمسألة والترجي، ويبدو لي أن من يتخذ من قيمة الكرامة دافعا لحياة كريمة ومكانة رفيعة يعمل وفق رؤى استراتيجية طويلة المدى ولا يرتهن للحظة والواقع، حيث إنه يحسب حساب متغيرات الظروف في حياته المستقبلية ويستعد لها بالتأهل من خلال الدراسة والتدريب والقراءة ليكون كفاءة مميزة ناجحة في العمل أو في تجارة ذات دخل أكثر من جيد يمكنه من توفير الأموال بالتزامن مع استهلاك جزء كبير في حياته اليومية كي يمكنه هذا المال من مواجهة التقلبات والظروف دون أن يمد يده لأحد حتى لو من باب السلفة الحسنة من قريب أو صديق.
الكرامة أيضا تدفع الإنسان رجلا كان أو امرأة لاحترام الآخرين وتحمل المسؤولية وأداء الواجبات لكيلا يكونوا في موقع حرج ومسألة أو نقد لاذع من الآخرين، ولذلك عادة ما يكون إنتاجهم صحيحا وسليما وذا جودة عالية حتى على مستوى أسرهم تجد أبناءهم على مستوى عال من التأهيل والتربية وهم يتحملون ويصبرون لتحقيق ذلك حتى لا يتهمهم أحد بالتقصير أو سوء التربية أو عدم تحمل المسؤولية تجاه من يرعون.
الذين تعنيهم كرامتهم بشكل كبير تجدهم أيضا يحترمون الأنظمة وحقوق الآخرين ولا يتطاولون على الناس ولا يردون بقلة أدب أو وقاحة حتى لا يتعرض لهم أحد بالسباب أو الشتائم أو الرد عليهم بوقاحة وقلة أدب ولذلك تجدهم مثالا للأخلاق الرفيعة التي يقدرها الناس وهذا ما يجعلهم أقدر على مواجهة المشاكل والتحديات، حيث يتمكنون من الاستفادة من جميع طاقات من حولهم من أقرباء وأصدقاء وزملاء لأن الجميع يحترمهم ومستعد للتعاون معهم.
ولقد رأيت ممن أعرف واشتهر بعزة النفس والكرامة لا يعبأ كثيرا بالظروف بقدر ما يهتم بالموقف من تلك الظروف وكيفية التعاطي معها بما يحفظ كرامته وعزته ومكانته ولذلك يمكن تصنيفه ضمن من يركزون على رد الفعل أكثر من الفعل ومصدره، ولذلك عادة ما يجد الحلول ويعمل على تحقيقها بإصرار وصبر بالتوكل على الله ثم الاعتماد على النفس بأخذ الأسباب بخلاف البعض الذي يتذمر ويحاول أن يرمي تخاذله وفشله على الظروف والآخرين ويسعى للبحث عن حلول، كثير منها يجعله في موقع المهانة والمذلة للوصول إلى حل لمشكلته مع الأسف الشديد.
يقول لي أحد الآباء عندما سألته عن سر نجاح أبنائه وتفوقهم في الدراسة وتميزهم في العمل ومكانتهم الاجتماعية المرموقة بين زملائهم وأصدقائهم، قال لي لقد زرعت قيمة الكرامة في نفوسهم منذ الصغر وأوضحت لهم أسباب الكرامة وكيف يمكن أن تتحقق وكيف يمكن أن تساعدهم على تحقيق ما يطمحون إلى تحقيقه، ولقد تبنوا هذه القيمة التي دفعتهم إلى الوصول إلى ما وصلوا إليه رغم التحديات التي واجهتهم.
ختاما أقول لقد تحولت مقولة "عكس الفقر هو الغنى" إلى "عكس الفقر هو الكرامة" لما يترتب على الكرامة من احترام للنفس وجودة في الاختيار ومثابرة في العمل والصبر على التحديات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي