رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


وزير الخدمة المدنية .. فضلا اعتذر

أثار وزير الخدمة المدنية موجة استياء واسعة في أوساط موظفي الدولة بقوله: إن إنتاجية الموظف لا تزيد على ساعة واحدة في اليوم، مرجعا ذلك إلى دراسة علمية، وقد تبين لاحقا أن الدراسة صدرت عن أحد باحثي "معهد الإدارة" قبل 15 عاما وقام المعهد بسحبها لوجود ملاحظات على منهجية الدراسة، وبالتالي لا يعتد علميا بالدراسة ولا بنتائجها خاصة أن المعهد معروف بنهجه العلمي الرصين عبر تاريخه الطويل في التأهيل الإداري.
لقد أخطأ الوزير بهذا التعميم الخاطئ المستند إلى رأي خاطئ، وما كان يفترض أن ينزلق إلى هذا المنزلق المستفز، حيث بدا الوزير كأنه ينتقص من جهود قرابة مليون موظف مدني يقضون الساعات الطويلة في خدمة الدولة عبر منافذها البرية، والبحرية، والجوية، وعبر مؤسساتها الصحية والتعليمية والعسكرية.
نعم هناك موظفون يمثلون عبئا على مؤسساتهم، وهناك موظفون غير منتجين ومهاراتهم غير مواكبة للمتغيرات، لكنهم بنسب معينة في كل قطاع، ولا يمكن القبول بالتعميم بذلك مهما كانت المبررات، وما ينطبق على المملكة ينطبق على مختلف الدول؛ فالكفاءات الناجحة المؤدية التي تقود التغيير هي عملة نادرة، والصراع الدولي على استقطاب الكفاءات على أشده في الدول التي تقدر قيمة الموارد البشرية، ويكفي أن يعلم الوزير أن موضوع "قياس الأداء ورفع الإنتاجية" من أكثر مواضيع الجدل الإداري التي لم تحسمها نظرية إدارية محددة، فبيئة العمل لها دور في تحفيز الموظف وإنتاجيته، والقيادات الإدارية لها دور آخر، والحوافز المالية والمسار الوظيفي كذلك، مع الأخذ في الاعتبار العوامل الاجتماعية وثقافة الموظف نفسه، وظروفه النفسية، ومهارته العملية، وكلها عوامل متداخلة لا يمكن التركيز على أحدها دون الآخر، ولا يمكن قياس بيئة عمل بأخرى لترسيخ انطباع خاطئ أننا أقل أو أفضل من غيرنا في الأداء والإنتاجية.
وإذا كانت وزارة الخدمة قد رصدت تدنيا في إنتاجية بعض موظفي الجهات وهو أمر وارد، فكان الأولى بها أن تبحث عن الأسباب وتعمل على تهيئة البيئة الناجحة التي تسهم في رفع الإنتاجية بدءا من اختيار القيادات المؤهلة، ومرورا باعتماد مسار مهني لكل موظف، وحوافز وظيفية ومالية، وفق نظام واضح يكافئ المنجز ويحاسب المقصر لكنها حتما لا تستطيع فعل ذلك إذا ما عرفنا أن نظام الخدمة المدنية نفسه هو القاتل للطموح والإنتاجية.
لقد عملت في القطاعين الحكومي والخاص، وشاهدت بنفسي نماذج مشرفة من الزملاء والزميلات وهم يحققون إنتاجا هائلا في مؤسساتهم، ويعملون أضعاف وقت العمل الرسمي لإنجاز مهمة لا تحتمل التأجيل، ولو شاهدهم الوزير لغير رأيه بالتأكيد.
وأتمنى من وزير الخدمة المدنية لو نزل بنفسه إلى الميدان ليشاهد نماذج من هؤلاء الشباب والشابات، "بودي" لو شاهد الوزير موظفي "جسر الملك فهد" وهم يعملون في إجازة نهاية الأسبوع وفي درجة حرارة تتجاوز 50 درجة، أو يذهب إلى منافذ سلوى والبطحاء والقريات، و"بودي" لو شاهد موظفي حقل "شيبة" وسط الصحراء القاتلة أو موظفي مستشفيات الحرس الوطني وأقسام الطوارئ الأخرى أو آلاف المعلمين والمعلمات الذين يبدأ دوامهم من بعد صلاة الفجر ولا يعودون إلا مع أذان العصر. ولم يعد لوزير الخدمة المدنية إلا الاعتذار عن هذا الخطأ المهني الفادح، بعد أن كشف أنه بعيد عن أداء وزارته ومواردها البشرية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي