رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الصين في مأزق بسبب جارتها المزعجة

المعروف أن الصين هي الحليفة الوحيدة للنظام الستاليني القائم في كوريا الشمالية، وأن زعيم الأخيرة كيم جونج أون لا يمكنه السفر إلى أي مكان في العالم باستثناء الصين التي ترحب به وتفرش له السجادة الحمراء.
لكن الصين تبدو اليوم في مأزق بسبب هذا الحليف الثقيل المشاغب وسياساته الهوجاء. فمن ناحية تريد الاحتفاظ به كمخلب قط قوي تواجه به حملات واشنطن ضد القيادة الشيوعية الحاكمة في بكين، وضد سياسات الإدارة الأمريكية في منطقة الشرق الأقصى الهادفة إلى كبح جماح النفوذ العسكري الصيني في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم، خصوصا أن نظام بيونجيانج مستعد أن يقلق مضاجع الأمريكيين في أي وقت، وبأفضل الصور سواء طلب منه ذلك أو لم يطلب.
غير أنه من ناحية أخرى تريد الصين أن تحافظ على سمعتها كدولة كبرى مسؤولة، فلا تريد أن تبدو أمام المجتمع الدولي كبلد يدعم المشاغبين والمتسببين في إحداث الفوضى وإذكاء القلاقل في منطقة تعتبر ذات أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة للعالم كله وليس للصين وحدها التي تنظر إليها كواحدة من مناطق نفوذها ومصالحها الحيوية الخاصة.
وفي الوقت نفسه تتعرض القيادة الصينية إلى ضغوط هائلة من جاراتها الآسيويات القريبات، لاسيما اليابان وكوريا الجنوبية، اللتين ترتبطان مع بكين بعلاقات تجارية واستثمارية ضخمة على الرغم من وجود تباينات وخلافات بين الدول الثلاث في الملفات السياسية مصدرها التاريخ والجغرافيا معا. فطوكيو، وكذا سيئول، تطالبان بأن تقطع بكين عن بيونجيانج الشريان الذي يمدها بأسباب البقاء والقوة، والأوكسجين الذي يشجعها على المضي قدما في تحدي العالم والاستمرار في مخططاتها لزعزعة الأمن والاستقرار في شمال شرق آسيا من خلال إجراء التجارب النووية من وقت إلى آخر وإطلاق الصواريخ الباليستية العابرة لأجوائهما ومياههما الإقليمية.
وفي اعتقادي أن الكوريين الجنوبيين -على الأقل- مستعدون لإبرام صفقة مع الصين حول الملفات السياسية المختلف عليها إن بادرت الأخيرة إلى عمل شيء تلجم به طموحات زعيم بيونجيانج الأخرق وألاعيبه الصبيانية التي لم تعد تحتمل. وبعبارة أخرى تفضل سيئول أن تقدم بعض التنازلات لبكين في بعض القضايا البينية الشائكة مقابل أن تضمن الأمن والسلام في محيطها الجغرافي، وتحافظ بالتالي على ما حققته من رخاء وازدهار لشعبها منذ انتهاء الحرب الكورية في مطلع خمسينيات القرن الـ20، وتتفادى اندلاع حرب كبرى في المنطقة قد تستقطب قوى عالمية كبرى كالولايات المتحدة، وروسيا الاتحادية التي تعتبر الدولة المزودة للقوات الجوية الكورية الشمالية بأحدث أدوات التدمير وعلى رأسها طائرات ميج 29.
تتبجح بيونجيانج، كما قالت أخيرا على لسان وزير خارجيتها “ري يونج هو” أمام دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة أنه لم يعد لها خيار سوى اتباع النهج التوتيري والاستمرار في برامجها النووية والباليستية بسبب المقاطعة الدولية المفروضة عليها من الكون كله (طبعا باستثناء النظام الإيراني الذي يجمعه مع نظام بيونجيانج أكثر من قاسم مشترك، مثل انتهاك حقوق المواطنين، وخرق النواميس والأعراف الدولية، وضرب الأمن والاستقرار الإقليمي). لكن الوزير الكوري الشمالي تحدث هنا عن النتيجة وأغفل السبب، فالمقاطعة الدولية لبلاده ما كانت لتحدث لولا خروقات بلاده المعروفة لأبسط الأعراف الدولية، وانتهاجها سياسات تدميرية طائشة يعرفها القاصي والداني.
جملة القول إن الصين، وإن بدت في مأزق واضح، لا تريد أن تفعل شيئا ولا تزال تكرر أن اليابانيين والكوريين الجنوبيين والأمريكيين لا يريدون أن يقتنعوا أن لا تأثير لها في نظام بيونجيانج إطلاقا، ولا يمكنها أن تتحكم في سياسات وأفعال الصبي المشاغب كيم.
ومن هنا عادت بكين مجددا لتدعو إلى استئناف المفاوضات السداسية (بمشاركة الكوريتين واليابان والصين وروسيا الاتحادية والولايات المتحدة) لإنهاء التوتر في الشرق الأقصى، على الرغم من علمها المسبق أن تلك المحادثات، التي عقدت ست مرات منذ انسحاب كوريا الشمالية من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية في سنة 2003، لم تؤد إلى شيء سوى زيادة قادة بيونجيانج غرورا وتعنتا وطيشا.
الغريب أن صحيفة “جلوبال تايمز” الصينية الناطقة بالإنجليزية، بدلا من أن تنتقد بيونجيانج على تهديد الأمن والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية، كتبت أخيرا إن على الصين أن تطور قدرتها كي تتجنب التهديد الذي قد يشكله توتر الأوضاع في شبه الجزيرة الكورية لمصالحها، بل كتبت ما هو أدعى للاستغراب وترجمته هي: “تستطيع الصين ترك الأعمال العدائية بين بيونجيانج من جهة وسيئول وواشنطن من جهة أخرى على حالها. وحينما تصل الأمور بينهما إلى حافة الحرب وترغب الأطراف المعنية في تقديم تنازلات متبادلة فإن على الصين ساعتها أن تكون مستعدة لتقديم وساطتها”.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي